الخميس، 26 يناير 2012

صفقات فجرية

تصور لو أن هيئة - أيا كانت صفتها- أعلنت أنها ستمنح كل يوم لكل مواطن مبلغا - ولنقل 200 دج- بلا مقابل, شرط أن يأتي لاستلامها كل صباح فجرا. يمكنك أن تزيد قيمة المبلغ كما تريد ما دمنا في إطار التصور المحض. وأزيدك فأقول أنها ستفتح لإتمام هذا الأمر عدة فروع في كل حي, لضمان التسليم الفوري للمنحة. كل المطلوب هو أن تخرج من بيتك في تلك الساعة المبكرة, أنت وأفراد عائلتك, ليستلم كل نصيبه بنفسه, إذا أراد, دون وكالة أو كفالة. كيف ستكون شوارعنا كل يوم فجرا, صيفا وشتاء؟
الأمر لا يحتاج إلى خيال واسع, فلا بد أن المشهد سيشابه أيام العيد ساعات الضحى. فما الذي بعثهم من مراقدهم الآمنة؟ ما الذي جافاهم عن مضاجعهم الدافئة؟ إنها صفقة رابحة لا تحتاج منهم لا رأسمال ولا رهنا ولا أي نوع من الشروط الجزائية, لأن الالتزام فيها بالخيار لا بالإجبار.
أذكر عندما أعلنت مؤسسات الحليب ومشتقاته, منذ عامين, إضرابا محدودا لعدة أيام, واكتفت فيها بأدنى مستوى من الخدمة, فكان الحليب لا يسلم إلا فجرا وبكميات محدودة, ساعتها كنت ترى في كل حي أعدادا من المواطنين اصطفوا لانتظار شاحنة موزع الحليب, في سكون ذلك الصباح البارد, لا يشقه عليهم إلا أذان الفجر "حي على الصلاة, حي على الفلاح", لكن أحدا لم ينتبه ساعتها أنه أمام صفقة أخرى أكثر ربحا وبركة ... صلاة الفجر!
الأمر لم يكن بحاجة منذ البداية إلى خيالي الواسع, كيس حليب واحد كان يكفي لأن يتزحزح هؤلاء من تحت أغطيتهم, ويطردوا النوم من عيونهم ... ولطالما كانت "الأشياء" هي التي تحركنا ... بعد أن فقدت الأفكار تأثيرها فينا ...
حقيقة استقرأها المفكر الجزائري مالك بن نبي في زمانه ... فبين الأشياء والأفكار نختار دائما الصفقة الخاسرة ... ونشتكي من سوء الحظ, وقلة البركة في انتظار الصفقة الخاسرة التالية, وقد عميت أبصارنا عن واحدة ينادي بها المؤذن فجر كل يوم ... فمن يجيب؟
سامية مازوزي
mazouzi@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق