السبت، 28 أبريل 2012

آليات مفقودة


يحيرنا هذا الكم الهائل من المتخرجين من الجامعات والمؤسسات التكوينية, إلى جانب الكم القليل من الفعالية ... ما الذي ينقص التعليم عندنا كي يخرج شبابا ناجحا في الحياة وليس في الامتحانات فقط؟
المشكلة أننا ما زلنا نتعلم بنفس الطريقة, قد تكون البرامج تغيرت قليلا, لكن الوسائل والرؤى بقيت هي ذاتها منذ عقود عدة ...
فشبابنا بعد التخرج سيحتاج لمن يكتب له طلب توظيف ... سيجد أن قصور لغته الأجنبية يعوقه عن تولي مناصب كثيرة ... سيجد أنه نفسه كشخص غير مقنع لرب العمل كي يوظف خدماته ... وعلة ذلك أنه لم يتعلم فنون الحوار والتواصل والخطابة ... لم يتعلم مهارات المناظرة التنافسية والإقناع ...
وبالتالي, فهو وإن تخرج من الجامعة, فإنه  يزال فاقدا لأسس التفكير النقدي والتواصل الاجتماعي ... غير فعال في العمل الجماعي والإبداعي ... باختصار ... لم يكمل بعد سنته الابتدائية الأولى ...
لذلك فإن تلك الأشياء التي تفتقدها مناهجنا التعليمية هي من أساسيات التكوين والتدريب على فنون القرن الواحد والعشرين في المدارس الغربية ...
إذا لم نكن فعالين بالقدر الكافي في هذا القرن ... فنحن  نزال متأخرين قرونا بعد ...

اغضبوا


الغضب والكراهية وجهان لانفعال واحد, فلا تغضب إلا إذا لقيت ما تكره, ولا تكره إلا ما يثير غضبك ... وبقدر ما هي أحاسيس إنسانية, بقدر ما تخرج المرء عن إنسانيته إذا تملكته ... وليس أدل على ذلك من حروب العرب في جاهليتهم الأولى, فلم يثر  حرب داحس والغبراء ولا حرب البسوس إلا مشاعر غضب وكراهية أذكتها قرابة أربعين سنة ... حتى كادت تفني سادتهم وعبيدهم ...
وأغرب شيء في هذه الانفعالات أنك إذا لم توجهها إلى مكانها الصحيح انقلبت عليك لتدمرك وتفت عضدك ... وليس أدل على ذلك من غضبة العربي في أيامنا هذه ... فلا يستثيره إلا أخوه وجاره وصديقه ... ولا يمر يوم إلا وتطالعنا الصحف فيه عن أبشع الجرائم التي ترتكب لأتفه الأسباب ... كلها لأن مرتكبيها غضبوا لشرف أو لكرامة ...
لكن الشرف والكرامة يدنسان في كل حين,  وفي قضايا أكبر وأعظم ... والعربي الذي كان يدندن:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يراق على جوانبه الدم
لم يعد يغضب لشرفه المدنس في فلسطين, وكرامته التي هانت في العراق, ولحمه المقطع في سوريا, وكبده الجائعة في الصومال ...
لعمري لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أوصى صحابيا في زمانه: "لا تغضب", لو أنه بعث في أيامنا هذه لصاح فينا: "اغضبوا" ...

غونتر غراس يقول ما يجب أن يقال


لماذا أصمت لقد صمتُ طويلا
عما هو واضح وما تمرست على محاكاته
بأننا نحن الذين نجونا
في افضل الاحوال في النهاية
أننا الهوامش في أفضل الأحوال
انه الحق المزعوم بالضربة الاولى،
من قبل مقهور متنمر
هذا مقطع من قصيدة الشاعر الألماني غونتر غراس "ما يجب أن يقال" التي انتقد فيها قرار بلاده إرسال غواصة نووية إلى إسرائيل لتساعدها على ضرب إيران ... وهكذا أصبح الشاعر ببضع سطور صرخت بالحقيقة متهما بمعاداة السامية, وقد تسحب منه جائزة نوبل التي حصل عليها ... لأنه لم يسكت ... لأنه يعرف أن أمر الحرب على إيران أمر يعنيه كإنسان, ويهز ضميره كشاعر ...
غونتر غراس قال ما يعتقد أنه يجب أن يقال ... حين صمت العرب والمسلمون عما يجب أن يقولوه ... وعما يجب أن يفعلوه ... وصدقوا أن الأمر لا يعنيهم ... لا شرعا ولا إنسانيا ...
السؤال الذي أطرحه هنا: ماذا سيكون موقف كل منا إذا أقدمت إسرائيل على ضرب إيران؟ هل نسكت؟ ألن نبالي؟ لماذا؟ لأنهم شيعة ونحن سنة؟
إذا كان هذا هو الموقف الشرعي, فماذا يقول الموقف الإنساني؟ وماذا يكون موقف التاريخ الطويل بيننا؟
السؤال عقيم ... فقد تخلينا من قبل عما يجب أن يفعل ويقال عن فلسطين والعراق ... فسقطنا ... لهذا خرج غونتر غراس عن صمته ... لأنه لا يريد أن يسقط كإنسان ...

سقوط الفرح


ما الذي يحدث للطفولة في الجزائر؟ ولماذا تتوالى المآسي تباعا منذ شهور؟ كيف تتحول مجرد حوادث معزولة إلى ظاهرة اجتماعية وإنسانية؟ وكيف تصبح الآلام الصغيرة ألما كبيرا؟
 إذا لم نكن قد انتبهنا للأمر, أو لم نوفه حقه في القراءة, فقد جاءت حادثة وفاة التوأم هاني ورمزي تحت شجرة متعانقين من شدة البرد, لتؤكد أن أطفالنا لا ينتحرون ... بل يهربون ... إلى أين؟ ومِمَّ؟ نحن لا نعرف ... لكنهم ... يعرفون ...
هم يخرجون من البيت ومن الحياة ليفتشوا عن شيء فقدوه عندنا ... الفرح ...
فقد سقط الفرح من قائمة مشترياتنا ... ومن أولوياتنا ...
سقط الفرح من وجه أب لا يستطيع راتبه أن يوفي حاجات البيت ...
سقط الفرح من حضن أم همها عشاء اليوم والغد ...
سقط الفرح من يد معلم اختصر طريق المعرفة بين العصا والسبورة ...
سقط الفرح من عيني أخ كبير سكنتهما أحلام الضفة الأخرى ... ليهرب من ضفة عقيم ...
وحين يسقط فرح أطفالنا في هذه الدنيا ... يستعجلون فرح الآخرة ... فيرحلون تاركين خلفهم ... ذنبهم الوحيد ... وضمائرنا ...

أمانة



عندما يخرج أبناؤنا من الباب, نستودعهم الله عز وجل, ونسأله أن يحيطهم بعنايته ورحمته, وعندما نعهد بهم أمانة لمعلم أو مرب, نشعر أننا ارتحنا من جزء من الهم والمسؤولية ... لكن الأمر يختلف حين تكتشف أن معايير اختيار هؤلاء مشكوك في سلامتها ... فالمربي قبل كل شيء ليس شهادة ومؤهلات ... بل إنسان يجب أن نطمئن لسلامته النفسية, وحسن أدائه لمهامه في تعامله مع أطفالنا ...
وحين تعمد مربية في روضة إلى كي ولد في الخامسة بسكين حامية بغرض تأديبه, فإننا سنراجع أنفسنا مرات قبل أن نخرج أبناءنا من البيت ...
لمن نسلم قرة أعيننا حين نغيب؟ ... أم أننا يجب أن نذكر الجهات الرسمية بضرورة التحري والحرص قبل إعطاء التصاريح لهؤلاء بإنشاء مدارس وروضات خاصة ...

الأربعاء، 18 أبريل 2012

بلقيس


حين قتلت بلقيس الراوي زوجة نزار قباني في حادث تفجير السفارة العراقية سنة 1983 ببيروت, انفجر الرجل الزوج والحبيب, وثار ضد القبيلة العربية التي قتلت نخلته العراقية ... وأطلق قصيدته الشهيرة بلقيس كرصاصة في قلوب العرب الذين كانت فترة السبعينات والثمانينات قترة عاصفة في تاريخهم, اختلط فيها النضال ضد العدو الصهيوني بالحسابات الحزبية والطائفية ... وتلقى الجميع رصاصته بنفس الطرب الذي كانوا يتلقون به قصائده النسائية المعطرة ...
لكن ثأر فتاة الأعظمية بقي معلقا دون أن يجد قاتله ... ونما أطفال بلقيس وهم يتطلعون ليوم الحساب ... حتى بعد أن رحل والدهم الشاعر بكلماته وقصائده ... رحل أعزب عله يلقى عروسه التي مزقتها سيوف القبيلة ...
وأطرف ما في الأمر أن يظهر قتلتها بعيد احتلال العراق وسقوط بغداد, معترفين ببطولاتهم البائسة ... لكنهم غفلوا أن نزار قد رفع ضدهم قضية في قصيدته تلك ... قضية لم تقفل ...  تنتظر قاضيا يحكم فيها ....

فساد


في مثل هذه الأيام الماطرة, وحين تمتلئ الطرقات, وتغرق الشوارع بالماء الموحل ... وتتهدم البيوت ويغرق الأبرياء, أتذكر مقولة رائعة للكاتب المصري الساخر المرحوم جلال عامر: " فضحت السماء فساد أهل الأرض .. وإذا كان الكفن ليس فيه جيوب فإننا نذكرهم أن جهنم أيضاً ليس فيها مراوح".
السماء حين تمطر بهذا الشكل لا تفعل إلا لتفضح فساد أولئك الذين يدعون أنهم صرفوا كذا وكذا لإصلاح المجاري وشبكات تصريف المياه وتهيئة الشوارع ... وحين تكشف السيول الفواتير المزيفة, لا تجد من يحاسب, بل تطلع علينا خطة أخرى لإصلاح نفس المجاري, وإعادة بناء شبكة تصريف جديدة ... بفاتورة أخرى, حتما أعدت لها جيوب أخرى لا تدرك ألا مكان لها في الكفن ... لكن من يتعض؟ 

عُقد



الكشافة البريطانية قررت أن توفر زيا كشفيا إسلاميا للفتيات المسلمات حتى يتسنى لهن المشاركة في النشاطات الكشفية المختلفة مع قريناتهن من المواطنات الإنجليزيات ... ويتكون الزي من سروال وقميص طويل يصل إلى أسفل الركبة ... وهي بادرة ليست فريدة من نوعها في بريطانيا التي ما فتئت تنتهج كل ما من شأنه يساهم في إدماج مختلف الأعراق والديانات في المجتمع الإنجليزي.
خبر كهذا يجعلنا نتذكر مجتمعاتنا التي لا تزال تعاني من عقدة الزي الإسلامي ... ومن عقدة الصلاة في أماكن العمل, ومن عقدة قراءة القرآن في الحافلة, وحتى من عقدة التكلم باللغة العربية ... فأنت حينها متهم باللاإنتماء ... بالتطرف ... بالتخلف ... فالزي الذي نلبسه يحمل لنا أحكاما مسبقة لا تعبر عنا ... أحكاما تظلمنا ... وتحرمنا من حقوق الإنسانية ... تحرمنا من الحرية التي ينادون بها ... ثم يسلبوننا إياها ... لا يمكنك أن تعمل بهذا الزي ... لا يمكنك أن تعمل بهذه اللغة ... لا يمكنك أن تكون معهم حتى تسلخ عنك جلدك ... لكنك إن فعلت تكون قد لبست كل العقد دون أن تدري ...

فيروس


كم عينًا يجب أن نفتحها على أطفالنا؟
كم كلمة يجب أن نحذفها من قاموس مخاطبتنا لهم؟
كم من الحيطة والحذر علينا أن نتخذ ... كي لا ينتحر أبناؤنا؟
هل يجب أن نخفي كل الحبال (والخمارات) كي لا يتخذوها مشنقة؟
هل يجب أن نبعد عنهم أعواد الكبريت والولاعات ونقطع عنهم البنزين ... كي لا يشعلوا النار في أجسادهم؟
آباء كثيرون يجب أن يقفوا برهة وينظروا إلى أبنائهم بتساؤل: هل أعرفه كفاية؟ هل يمكنني أن أتوقع ما يدور بخلده وهو في سنه الحرج أو البريء ذاك؟
لقد أصبحنا في وقت يجعلنا نفكر في تعيين مخبرين لمراقبة أطفالنا ... فلا يمكنك أن تعرف إن كان محبا للحياة ومقبلا عليها ... أم أن ميتته على صفحات الجرائد وقنوات الأخبار تستهويه ...
إن أصعب من موت الابن في حد ذاته هو أن تتحمل مسؤولية هذا الموت وتحمل ذنبه ... نحن من يدفع بهم إلى ميتة ما أو حياة ما ...
إذا انتحر هؤلاء فإنما هو وباء ... نحن من يحمل فيروساته المعدية ...
وحين يقع المحذور لا أحد يمكنه أن يعزينا ... 

الأحد، 15 أبريل 2012

رجل من ذاكرة


عندما يموت صديق الطفولة, تشعر أن قطعة من طفولتك قد اقتطعت منك ...
عندما يموت جار عزيز, تشعر أن أحد جدران بيتك قد تهدم ...
عندما يموت أستاذك المفضل, تشعر أن سبورة القسم فقدت هويتها ...
وعندما يموت رجل كأحمد بن بلة, يشعر خصومه وأصدقاؤه أن فصلا من التاريخ قد طوي, ولا يمكن أن يعود كما كان ...
رجل يمتد عمره التاريخي إلى ما يقارب السبعين سنة ... ارتبط اسمه بالمنظمة السرية, أول نواة عسكرية لثورة التحرير ...
رئيس لأول دولة جزائرية غداة الاستقلال ... وبعد خلعه, قضى خمس عشرة سنة في الإقامة الجبرية ... ليكون الرجل الطابو ... المسكوت عنه لقرابة ثلاثة عقود, حتى وهو في منفاه الاختياري ...
  وعندما عاد, استقبله الجزائريون ... واستقبلوا فيه ذاكرتهم التي لا يمكن أن تطوى لمجرد خلاف سياسي ولا حتى عسكري ...
رجل يحمل الكثير من التاريخ في ملامحه ... والكثير من الأسرار بين شفتيه ... هل قالها حقا في مذكراته التي أحجم عن نشرها قبل وفاته؟
أمثال هذا الرجل لا يمكن أن يموتوا دون أن يتركوا خلفهم أسئلة أكثر من الإجابات المحتملة ... لأنهم يستثيرون فضولك رغما عنك ... ترى هل سنكون ممن سيرث عنه ذاكرته وإجاباته؟  

الجمعة، 13 أبريل 2012

مشهد بدون بطولة


لماذا ينتحر شخص ما بحرق نفسه؟
لماذا يقرر أن ينهي عذاباته بعذاب أشد؟
لماذا عندما لا نحسن تقدير ذواتنا, نفكر أن نتخذ من موتنا نوعا من النكاية بالآخرين؟
الانتحار هذه الأيام لم يعد مجرد حالة لشخص منعزل فانزوى بنفسه في غرفته وقرر الرحيل  بصمت ... هؤلاء يفضلون رحيلا عاصفا ... رحيلا له مشهد مدو ورائحة تعلق في الضمير ... لكنها في كل الأحوال طريقة تغيب ضمير صاحبها, وتجعله يوقع انهزاماته بهزيمة أخيرة لا يقيل له فيها أحد عثرة ...
المشاهد المازوشية التي تطالعنا هنا وهناك, هي لأناس قرروا أن ينهوا التهميش الذي طالهم بمشهد درامي أمام أعين الناس والكاميرات ...
لكن المشهد سينتهي ... ولن يقف صاحبنا ليرفع رأسه ويفخر بإنجازه أمام تصفيقات المشاهدين ... فالمشهد كان بلا بطولة ...

الأربعاء، 11 أبريل 2012

شعوب لا تعرف مصلحتها


يبدو أن الليبراليين الذين تبنوا الثورات العربية وادعوا الفضل لأنفسهم وحدهم بتحرير شعوبهم من الأنظمة الديموقراطية, لم يكسبوا من الليبرالية إلا اسمها المجرد, فهم على خطى من سبقهم من القوميين والشيوعيين سائرون لا محالة ... وأول ما ورثوه عمن سبقهم عقدة الإسلاموفوبيا ... فهي بالأحرى مرض عضال تبدأ أعراضه حين تخشى أن يأخذ الإسلاميون منك شيئا لم يكن لك, ولكنك تعتقد أنه كذلك ...
لكنهم في ذات الوقت لا يدركون أنهم باعتراضهم على خيار الشعوب, إنما ينهجون نهج الأنظمة التي أطاحوا بها, والتي كانت تعتقد كذلك أنها وصية على شعب لا يعرف مصلحته ... وهذه الشعوب حين اختارت الإسلاميين بطريقة ديموقراطية وشرعية لا غبار عليها ... لا تعرف مصلحتها ...
لقد عانت الشعوب من خيارات لم تتخذها, ودفعت الثمن من عمر أمة وحضارة ... فلماذا لا ندعها تجرب خيارا اتخذته بنفسها ... فمن المؤكد على الأقل, أنها لن تخسر أكثر مما خسرته ...

فلسطين والقضية


مسائل كثيرة إذا فقدت صفتها الرئيسية أفرغت من محتواها, وصارت مجردة جوفاء لا طعم لها ... والقضية الفلسطينية التي تهتز لها قلوب مليار مسلم إذا فقدت توصيفها الإسلامي, فلن تعود قضية ...
وحتى عندما يراد لها أن تفرغ من محتواها كمقاومة, فلن تعود قضية ...
لهذا كانوا دائما ولا يزالون يضعوننا أمام خيار "أهبل": هل أنت مع السلطة الفلسطينية أم مع حماس؟ هل أنت مع المقاومة أم مع رفع الحصار على غزة؟ وكأن معاناة الفلسطينيين ازدادت عيارا حين اختاروا حماس ... والحقيقة أن ما اختلف في معاناتهم هو أنهم تمكنوا أخيرا من ضبط بوصلتهم نحو وجهتهم التي اتخذوها منذ عام النكبة: المقاومة ... فخيارات التسوية السياسية أثبتت منذ عشرين سنة عدم فعاليتها, ما دامت هناك مستوطنات تنبت كالبقل, ولاجئون لم يعودوا من الشتات, وهيكلا مزعوما يدك أساسات الأقصى ...
إذا كانت أرض الميعاد قضية قامت على أسس صهيونية, فالقضية الفلسطينية لن يستقيم عودها إن تخلت على إسلاميتها, لأنها حينها ستتخلى عن خيار المقاومة ...

أرض وسماء


طرائف العجز التي نحب أن نفسرها على هوانا, تخبرنا دائما بأشياء تختلف عن قراءتنا الصماء لها.
حكاية السائح الذي زار بلدا إسلاميا والتقى رجلا من أهلها, فراح يلومه على تخلفه وأهله وبلاده ويتباهي أمامه بما حققته الحضارة الغربية التي صنعها هو وبنو جلدته ... فما كان جواب ذاك الرجل إلا أن قال في يقين (أو في سذاجة, حسب قراءتك للطرفة): لكم الأرض ولنا السماء ... فبهت السائح ولم يحر جوابا ... ا هـ
لهم الأرض ولنا السماء ... كلمة عزاء لمن لا عزاء لهم ... هم نجحوا وشيدوا وابتكروا وطوروا ذواتهم ففازوا بالأرض ... ونحن هزمنا, وتجرعنا الهزيمة, ثم استسغنا طعمها وتعودنا عليه, ووقفنا نطلق زفرات على قرون لم نعشها ... تخلينا عن الأمانة التي حمّلناها ... رضينا بالأقدام على رؤوسنا ... وبالخزي على جباهنا ... ثم بعد هذا نطمع أن ننال السماء ... بالله عليكم على من نضحك؟
نريد السماء ... ونحن المطالبون قبل ذلك بخلافة الأرض ... من رب السماء ...
نسينا أنه كي نكون من أهل السماء, علينا أن نتعلم كيف نرفع رؤوسنا إليها ... 

قلمي والشام



في كل مرة نكتب فيها عن مدينة, فإننا نكتب عن كيان حي يأخذ أنفاسه من أعماق التاريخ الذي نملكه جميعا ... تاريخ نتمسك به لأنه الشيء الوحيد المزهر في ربيع أيامنا الحاضرة ...
لكننا حين نكتب عن جراحات المدينة, فلأن نزيفها وصل إلى شراييننا ... لتصنع آلامها صدى في قلوبنا ...
أعتذر لأني حين أكتب عن مدينة عربية, يلف الحزن سطوري ويخنق كلماتي ... فقد دأبنا على الكتابة عن مدن سقطت أو آيلة للسقوط ...
هذه المرة ... دمشق ... عاصمة الأمويين ... الشام التي اشتقت اسمها من الشموخ والعزة ... ونقش الإباء اسمه على أبوابها ... ودمشق التي ظلت الكرامة, لقرون, تعبق مع عطور الياسمين تضمخ جدران حاراتها ...
لا أدري أية جريرة تدفع ثمنها هذه المدينة التي دفن تحت ترابها وعد بمسيرة أجناد الحق؟  لعلها تدفع ثمن أخطائنا كلنا ... من المحيط إلى الخليج ... ولعله ثمن باهض دفعته مدن عربية كثيرة ... وسيأتي الدور على مدن غفل أهلها عن الحمل على ظهورهم ... ظهور أداروها من قبل لإخوانهم ... لأن النار أخطأت بيوتهم ...

غزة مازالت في الظلام


الضجيج الذي خف عن غزة وأهلها منذ أكثر من عام ونصف, لحاجة في نفس يعقوب عربيا وصهيونيا, أنسانا أن غزة مازالت تستضيء بالشموع, وأن أزمة الكهرباء فيها لم تقترب من الحل ولم تتجه صوبه أصلا ...
هذا التطنيش السياسي والإعلامي ليس لوجه الله ولوجه الثورات العربية ... مع احترامي لمطالب الثوار العرب الذين هم في حالة انتصار والذين هم في حالة انتظار ...
الأمر كله بدأ بمقلب لتغيير النظام الفلسطيني المنتخب بشرعية ... صاحبته قنابل فسفورية وحصار اقتصادي وظلام دامس من جهة ... وجدار وتواطؤ ثم انشغال من جهة أخرى ... أجل ... نحن مشغولون بثوراتنا الخاصة ... منهمكون بصراعاتنا اليومية في الشوارع والملاعب ... ونتساءل متى ترضى عنا البطاطا فتتنازل عن عرشها ... وكيف انقلب علينا الموز بعد ألفة دامت سنين, وولى ببردته الصفراء؟
وفي غزة تتعرى عروبتنا كل يوم ... وتجوع إنسانيتنا ... وتغلق مروءتنا أجفانها على حلم لا يأتي ... فغزة مازالت في الظلام ...

قمر


هناء شلبي بعد اضراب 44 يوما عن الطعام تخرج من السجن مثل القمر ...
هي قمر حطم قضبان السجن رغم النحول والشحوب والتعب ... لم تكن بحاجة إلى مساحيق لتستقبل حريتها ... لأن الفرح والألم كانا الشيء نفسه في قلبها ...
قلب يتم إبعاده عن أهله في الضفة الغربية إلى أهله في غزة ... دموعها التي تعلقت في عينيها لا تعرف لها هوية ... اتشحت بالفرح والحزن في ذات الوقت ... دموع تودع بعضها لتلقى بعضها ...
انتصرت هناء شلبي ... رغم أن العدو حاول أن يشوه نصرها بخيبة الإبعاد ... انتصرت بعد أن فقدت 20 كيلوغراما من وزنها ... انتصرت بلحمها ودمها ... بألم ليالي الجوع والبرد ... بغصة الفراق عن الأهل ... امرأة عربية كسرت كبرياء العدو, حين لم تجد معتصما يكسره لها ...
فلا نامت أعين الجبناء ...

يوم الغضب الذي لا يأتي


كثرت أيامنا ... وكثرت معها آلامنا ... وفي كل ذكرى نحاول أن نستبدل المرارة باحتفال كالعزاء ...
45 سنة ويوم الأرض يوم يذكرنا بخيانتنا للتراب الذي نبتنا منه ...
أربعة عقود ونصف, وعيوننا وحدها ترحل كل يوم إلى هناك ... شاهدة على المواعيد الكثيرة التي تأخرنا عنها ... والوعود الصامتة التي أخلفناها ... والدموع التي أسلناها ... والدماء التي سكتنا عنها ...
لكن العربي الذي صنع الإسلام عزته ... وعلمه كيف يخرج بخيله من الأساطير والحكايات الخرافية إلى ساحات العاديات حيث يثور الغبار وتتلطخ الأجساد بالعرق والدم ... ذلك العربي ... ترجل عن حصانه وتركه وحيدا ... وراح يبحث عن البطولة في آراب أيدول ... وعن الأحلام في ستار أكاديمي ...
لم يعد يطرب لصليل السيوف ... واستبدل الكر والفر بهز الأكتاف والأرداف ... وفي يوم الأرض يأخذه الحنين ويهزه الضمير ... يقف لحظة مع أغنية فيروز: الغضب الساطع آت ... فيتلفت خلفه ... ولا يجد شيئا ...

عودة بغداد


بغداد ... ما أغرب الحنين الذي يحمله اسم مدينة ... مجرد اسم حين يرن من الشفاه إلى الآذان ... تشعر بغصة التاريخ تتحشرج في الحلوق ...
مدينة تنبت في أحلام كل عربي زهرة للنهوض ... بعد قرون طوحت بها من سقوط إلى سقوط ... ومن تتار إلى تتار ...
المدينة الوحيدة التي حين سقطت أول مرة سالت دماؤها حبرا امتزج بمياه الفرات ... والمدينة الوحيدة التي لن تنهض إلا إذا عاد هذا الحبر ليصلح بين الكلمة والصحيفة ...
بغداد أكثر من مجرد مدينة ... أكثر من مجرد جرح غائر في جسد عربي ...  بغداد صدر نامت في حضنه خلافة فتحت عيون العالم بالنور قبل أن تغلق عينيها وتعتزل الشمس ...
بغداد تنهيدة عاشق بابلي صنع لصاحبته سلما من ورود نحو السماء ... ثم ارتقى ونسي أن يعود ...
بغداد حين تعود يتبسم لها حمورابي ... ويومئ إليها الرشيد ... ويغني لها الموصلي عن ليال كانت كلمة العربي فيها من ذهب ...