الجمعة، 24 فبراير 2012

خرق السفينة


حين يواجهك الآخرون باللافعالية تفكر لو أنك تستطيع أن تفعل كل شيء بنفسك ... فإذا لم تجد العناية في مستشفيات تحكمها الفوضى تتمنى لو أنك اخترت مهنة الطبيب بدل المهنة التي تمارسها الآن كي تشفي علتك. وإذا واجه طفلك في المدرسة معلما اتكاليا لا يؤدي واجبه, تمنيت أن تكون معلما كي تعلم ابنك. وإذا تعطلت معاملاتك بسبب إداري غارق في بيروقراطية لا قعر لها, تمنيت لو كنت مديره كي تضربه على رأسه, فقط لأنه كسر رؤوس مراجعيه بتسويفه وعنجهيته ...
لكن الأمر لا يعالج بهذه الطريقة ... تماما كمباراة كرة القدم ... لا تستطيع أن تكون مهاجما ومدافعا وحارسا للمرمى ...على كل فرد أن يقوم بمهمته لتحقيق الهدف المشترك ... وعلى كل فرد أن يثق في قدرة الآخرين على أداء أدوارهم ... وهم بدورهم سيمنحونه الثقة ذاتها ...
علينا ألا نسكت على الممارسات السلبية في الإدارات والمؤسسات ... يجب أن ندرك أن التغيير هو مهمتنا جميعا... وإذا سكتنا عن الفوضى عمتنا جميعا ... وإذا سكتنا عمن يخرق السفينة غرقت بنا وبه ... ولن يفيدنا ساعتها أن نلعنه في سرنا ...

مصر ... ح وسّع بنطلوني!


غداة الثورة المصرية, وخلع نظامها الفاسد, ظهرت أصوات كثيرة من الجماهير بتغيير أرض الكنانة, من خلال مقاطعة كل المظاهر الشائنة لمصر الأمس, والرقي بإنتاجها الفني والسينمائي الإباحي ... وارتفعت الشعارات المنادية بالالتزام والعفة, على رأي الشاعر الحلمنتيشي: "ح وسّع بنطلوني"!!
لكن مر عام, ولم نلمس بعد التغيير الذي كنا نترقبه, فقنوات الخلاعة والمياصة لا تزال كما هي ... وأحدث إنتاج سينمائي بطولة هاني سلامة لا ينبئ بخير ... وبعد أن كانت الفنانات والراقصات غير الملتزمات يعلنّ أنهن سيهاجرن إلى بلد يسمح لهن بحرية التعري ... ها هن يعدن إلى عادتهن القديمة ... لأن الحال بقي على ما هو عليه ... ببساطة لأن رؤوس الإنتاج الفني هناك لم تتغير, ضاربة عرض الحائط كل الصخب الدائر حولها, وكأنها تتمثل قول المتنبي: "أنام ملء جفوني" ... ولأن نظرية "الجمهور عايز كده" لا تزال سارية المفعول ... وإلى أن يتغير هذا الجمهور ... سنظل في انتظار أن توسع مصر بنطلونها ...

قم للمعلم


يقال أن المعلم في اليابان يأتي بعد الإمبراطور ... ورغم أن نظام التعليم الياباني يحتم على المعلم أن يعمل لساعات متأخرة من الليل حتى بعد انصراف التلاميذ ... إلا أنه يدرك أهمية ما يقوم به ... كما أن المجتمع من حوله يدرك مكانته ويقدسها كما يقدس الإمبراطور ...
أما في مجتمعاتنا فالمعلم في آخر الصف, بعد الخضار والجزار, بعد الطبال والزمار ... وبعد البطال الذي يتوسد الجدار ...
المعلم عندنا متهم لم تثبت إدانته ... فهو علة التسرب والتخلف ... سبب الظلم والتعسف ... هو من صنع اللصوص والإرهابيين ...  وهو من رفع نسبة الأميين ... والكل يتطاول عليه باليد واللسان, وعند أقل نائبة يشار إليه بالبنان ...
في مجتمعاتنا يظل المعلم بمعطف واحد طوال الشتاء, ثم يخبئه للشتاء القادم ... ونتندر بحذائه البالي الذي لا يغيره ...
عندما يتقاعد المعلم في مجتمعاتنا, يتخذ له عربة قديمة يتجول بها في الأحياء التي يقطنها تلاميذه كي يبيعهم الكزبرة والبقدونس ...

الاثنين، 20 فبراير 2012

شعراء ولكن ... نجوم


لطالما كان شرط النجومية في زماننا ... التمايل وهز الوسط ... لكن برنامجا كأمير الشعراء على قناة أبو ظبي, استطاع أن يصنع نجوما للكلمة من شعراء اعتادوا أن تخبو قصائدهم في أدراج مكاتبهم المعتمة ... واستطاع أن يجمع حولهم الجماهير في مشهد يضاهي ورود الناس على منابع سوق عكاظ والمربد ...
لن تصدق أذنيك وأنت تسمع تصفيقات الجماهير الصاخبة لتميم البرغوثي وهو يتلو قصيدته "كفوا لسان المراثي" ... ولن تصدق عينيك وأنت ترى دموعهم الصامتة أمام قصيدة "التأشيرة" لهشام الجخ ... وكيف يتجمعون حول هذا وذاك لطلب توقيعه ... أو الاستزادة من شعره ...
هؤلاء حقا أحيوا ديوان العرب من جديد ... وأيقظوا فينا لذة الشعر وسحر القصيدة ... هؤلاء أعادوا إلينا هيبة الشعر وهو يُتلى ... وجلال الكلمة حين تولد باكية بعد اختناق ... هؤلاء سيعيدون الشعر إلى زمنه الأول ... وسيعيدون إلينا طربنا الذي فقدناه تحت أقدام الراقصات ...

بالطول أم بالعرض؟


حين نتذكر الموت, ونراه كنهاية محتومة لا مفر منها, نفكر فيما بقي لنا من وقت ولا نفكر فيما تبقى لنا من إنجاز ... فالحياة وإن طالت تبقى قصيرة في حسابات الدنيا والآخرة ... لكن الأمر المختلف بين حياة طويلة وأخرى قصيرة هو بعد آخر نغفل عنه ... إنه العرض ...
وإذا كنا لا نملك في طولها شيئا فإن عرضها يبقى من ضمن خياراتنا المتاحة ... وعرضها لا يمكن أن نقيسه إلا بإنجازاتنا ...
فهل لديك خطة واضحة عن الإنجازات التي يجب أن تحققها فيما تبقى لك من وقت؟ هناك فرق بين من كانت حياته طويلة وبين من كانت حياته عريضة ... فقد تحقق في سنة واحدة ما لم تحققه في عشرين سنة ... وما دمنا كلنا في حركة دائمة فعلينا ألا نكون كحجر الرحى الذي يتحرك وهو قابع في مكانه ... حركة كثيرة ... وإنتاج قليل ... وهو الفرق نفسه بين الفاعل وغير الفاعل ... بين الناجح والفاشل ... وبدل أن ندعو بطول العمر فلندعو بعرضه ... اللهم اجعل حياتنا عريضة خصبة ولا تجعلها ضيقة مجدبة ...

رجال من ورق


من أقسى المشاهد على النفس, أن تضرب فتاة أمام الملأ ضربا مبرحا وتهان ولا يحرك أحد ساكنا, وتجد الرجال بين أمرين فإما أن يشيح بوجهه ويفر ببقايا رجولته, وإما أن يستمرئ المشهد فيقف متفرجا وكأن الأمر لا يعنيه, بل قد يتخذ المسألة شماتة, فيعلل ما يراه بعلل بائسة ما أنزل الله بها من سلطان, لأن الأنثى عنده متهمة ولو كانت الضحية ...
لكنه لا يدرك أنه في الحقيقة إنما أشاح بوجهه عن رجولته وهي تنتحر ... أنه يتفرج على أشلاء مروءته الممزقة ... وأنه يشارك ذاك اللئيم في لؤمه ... حين لم يتبقى في قاع نفسه ظل للكرامة البائدة ... فما أهانهن إلا لئيم وما أكرمهن إلا كريم ...
هل انتهى زمن المروءة؟.. هل ولى عهد الفروسية وانطوى في صفحات الروايات والبطولات التاريخية بلا عودة؟ هل نفقت أحصنة  هؤلاء فقعدوا عن المكرمات؟
إن جبن الرجال أشد على المرأة الحرة من سياطهم ... وإنه ليقع على روحها موقع الضربة القاضية ... فيبعثر كل آمالها وأحلامها في قصص الطفولة الدافئة ... ويحيل الرجولة معاني من ورق لا حياة فيها ...

تجارة المناسبات


من الظواهر التي ينشطها الشباب في شوارعنا, ما يطلق عليه تجارة المناسبات. وهي تجارة تعتمد على بيع نوع من السلع لا يظهر إلا في مناسبات مخصوصة. ويبدو أن شبابنا يدرك أهمية الربح الذي تدره هذه التجارة في وقتها المحدود ... فتجدهم وزعوا طاولاتهم على ناصية الطريق مزينة بمختلق المقتنيات التي تكون في معظمها بضاعة صينية رخيصة الثمن, أو بضاعة محلية توفرها الورشات الصغيرة.
فهل يمكنك مقاومة إغراء قطع الحلويات والشوكلاطة بمختلف الأشكال الطريفة عشية العام الجديد؟ أو المفرقعات والشموع الملونة وأعواد البخور في أيام المولد النبوي الشريف ... أو لعب الشاطئ ومقتنيات السباحة أيام الصيف ... والقائمة لا تنتهي ... مع أدوات الطبخ والأواني أيام رمضان وقبيل العيد ... تصاحبها الأدوات المدرسية قبيل وأثناء الدخول المدرسي ...
تجارة مربحة تفي بالغرض, لكنها غير مستقرة, ورغم أهميتها, فقد لا تمثل أكثر من محطة عابرة لكثيرين, انطلقوا منها لتحقيق أحلامهم الحقيقية ...

الثلاثاء، 14 فبراير 2012

إبراهيم الفقي ينافس هيفاء وهبي


في إحدى دوراته التدريبية أعلن الدكتور إبراهيم الفقي رحمه الله أنه سينافس هيفاء وهبي على مشاهديها بأن يطرح بدائل إسلامية ملتزمة ترقى بأسماع الشباب ... وتجعله يحسن اتخاذ القرار أمام خيارات حضارية متعددة تنافس الخيارات المبتذلة التي تحاصرنا من كل جانب ...
ما لفت انتباهي أن المرحوم آنذاك أعطى صورة مغايرة عن منافسيه ... ففي وقت كنا نظن أن رجالا كعمرو خالد وطارق سويدان ومصطفى حسني ومحمود المصري والعريفي وغيرهم ينافسون بعضهم البعض في مجال الإعلام الدعوي, جاء الفقي ليؤكد الاتجاه الحقيقي للمنافسة ... وأنها قائمة على أساس التحدي بين بدائل الفضيلة وبدائل الرذيلة ...
فعمل الدعاة وأساتذة التنمية عمل متكامل لا يقصي بعضه عن بعضه ... ومن يبني إنما هو في منافسة مع من يهدم ... لا مع من يبني مثله ...
فهل نجح الفقي في منافسته لهيفاء؟ بالتأكيد نجح ... ولا بد أن ثمرة نجاحه أينعت هنا وهناك في الدنيا ... وسيلقى ثمارها في الآخرة ... عند رب لا يضيع عنده عمل ابن آدم ...

أفكارنا وأشياؤهم


تحدث غير واحد من المفكرين عن حالة التكديس الحضاري التي نعيشها كعرب ومسلمين ... فرغم الوسائل المادية الكثيرة التي أصبحت بين أيدينا ... وصارت جزءا من حياتنا, إلا أننا لا نملكها فعليا ... فكل ما نفعله هو أننا نقتنيها لأنها فرضت علينا في سوق العرض, تحت واجهة براقة من دعوى التحضر ومواكبة التطور المدني ...
وأصبحت حالة الشيئية التي نعيشها مجرد مظهر كذاب لحضارة ليست لنا ... لأنها مبنية على أشياء ليست لنا ... دون أن ندرك أننا حين نرصع بها أنفسنا لن نرتفع شبرا واحدا عن أرضنا ... فنحن مجرد مستهلك سلبي في السلسلة الحضارية التي لا تختلف عن السلسلة الغذائية في عالم الطبيعة, إلا أن الأفضلية تكون عندنا معكوسة ..
هذه الحالة من التكديس التي وصلنا إليها كانت نتيجة منطقية لحالة العقم الفكري الذي نعاني منه منذ سقوط الدولة الموحدية ... كما اصطلح المؤرخون واتفقوا على ذلك.
نحن بحاجة إلى شيء واحد فقط يعيد الخصوبة إلى أفكارنا ... هو ذات الشيء الذي أنبتنا من عمق الصحراء المجدبة ... فهل تعرفون ما هو؟

خطأ آخر في نظرية داروين


ما الذي يتغير في الإنسان عبر العصور حتى يجعل حاجاته تتغير بشكل مختلف وبصورة تبدو عجيبة إذا وضعناها تحت المقارنة؟ فإذا كانت حاجته التي اقتصرت على شيء محسوس كرشفة حليب في سن الرضاع تتطور إلى صورة أعقد حين يكبر حتى تصل إلى الرغبة في ملك الدنيا كلها ... لمجرد أنه ازداد في عمره بضعة عقود ...
لكن حاجاتنا لم تتغير على المستوى الفردي فحسب, بل تعدته إلى المستوى الاجتماعي والاقتصادي والتاريخي عموما ... ففي العصر البدائي كان أقصى ما يطلبه الإنسان طريدة تكفيه قوت يوم أو يومين, جلدا يستر به عورته, قبسا من نار يضيء به عتمة ليله ... وركنا يأوي إليه في كهفه حتى يأتي الغد ... أما اليوم فلم يعد يرضينا من الدور غير القصور... لم يعد يرضينا من القوت غير السمط الممدودة  ... ولم يعد يرضينا من المناصب غير الرياسة ...
الحقيقة أنه حتى هنا لا يمكن أن تنجح نظرية داروين في تفسير هذا الأمر. فهو يرى أن الإنسان كان يمشي على أربع ثم استقام على ظهره ليعتمد على ساقين فقط ... أما فيما يخص الظاهرة التي نحن بصددها, فيبدو أن الإنسان بعد أن كان يعتمد على أشياء معدودة صار يعتمد على أشياء أكثر ... حتى لكأن هذه الأشياء صائرة إلى التحكم فيه بعد أن كان يتحكم بها ... أي أننا لسنا في المسار الصحيح للنشوء والارتقاء الذي رسمه داروين ...

حين يموت الرجال


مات الدكتور إبراهيم الفقي ... خبر يجعلك تسكن فجأة ... لكنه سكون مفاجئ يصيبك بالدوار ... كمن خرج لتوه من دوامة ...
رحل الرجل الذي حمل إلى العالم العربي مفاتيح النجاح ... وفتح أمام الكثيرين أبواب أنفسهم المغلقة ... رحل ... وهو في ذروة عطائه ... وأياديه التي حملت شعلة الأمل للكثيرين لا تزال ممدودة تنضح بالبر
كلنا لا نزال نذكر كيف عاد من العالم الجديد إلى وطنه وفي حقيبته حزمة من الأفكار المتجددة لأناس ملوا الوقوف في طوابير طويلة يستجدون الخبز والحليب بأسعار مدعومة لا تسمن ولا تغني من جوع ... ليقف أمامهم بابتسامته العريضة وملامحه المفعمة بالحيوية, فيعلمهم كيف يصنعون الخبز بأيديهم ...  وكيف يملكون فرن الخباز ...
حين يموت رجل كإبراهيم الفقي ... ننعى رجلا كرس أنفاسه ليخرج الناس من قاع التخلف إلى طريق النهضة التي ضلوا عنها ... ليضع أقدامهم على الخطوة الأولى نحو أحلامهم ...
إبراهيم لم يكن مجرد "بياع كلام" ... لأن كلامه غيّر الكثيرين وقادهم إلى أحلامهم ... لأنه أثبت أن الإنسان يمكن أن يتغير بكلمة صائبة يقولها الرجل المناسب في التوقيت المناسب ... رحم الله الفقيد ... وإنا لله وإنا إليه راجعون ...

السبت، 11 فبراير 2012

أرنب أم كلب


تناقلت الصحف والمواقع الإلكترونية حكاية الأرنب السويدي الذي يظن نفسه كلبا, لدرجة أنه نجح في التحكم في قطيع من الخراف ورعايتها.
ولعل هذا الأرنب وجد فائدة في الانفصام الذي يعانيه, حين تمكن من أن يحتل مكانة لم يصل إليها بنو جنسه, كما أنه لم يتسبب بحالته تلك في إحداث خلل في منظومة المزرعة ... عدا أن هناك كلبا ما قد امتلأ غيضا من تقدمه واحتلاله مكانه.
قصة كهذه تجعلنا ننظر إلى الجانب الإنساني فينا: ففينا أشخاص يحتلون أماكن ليست لهم دون أن يفيدوا غيرهم شيئا بل على العكس فهم يخربون بأيديهم ما وجدوه عامرا كي يصعدوا أكثر ...
وفينا من يتهيب التقدم لأية محاولة خشية الفشل فيها, دون أن يقدر ذاته تقديرا صحيحا ... فيضيع على نفسه وعلى الأمة فرصا لا تعوضها قرون من العمل ...
فمن تراك في هذا المثل: أرنب أم كلب (أكرمكم الله)
سامية مازوزي


كُتّاب الجنة والنار


قرون من الكتابة العربية والإسلامية التي انطلقت كالمارد من الفانوس ... تحت مسميات عديدة أكثرها بريقا "الكتابة الحرة", تحولت فيه إلى دكتاتور يفرض نفسه على عقولنا وأفكارنا, قبل الحلاج وبعد سلمان رشدي ... من عمالقة القلم إلى أقزامه ... ولا زال هؤلاء يطالبوننا بقراءة "أقل تسلطا", ويدفعون أنفسهم إلى كتابة "أقل خضوعا" ... حتى ضاعت بيننا وبينهم مقاييس الكتابة ومعايير القراءة ... وصرنا لا نعرف من الجلاد في القضية ومن الضحية ...
إن لكل نشاط إنساني حدودا يجب أن يقف عندها ويحترمها ... والكتابة حتى وإن بدت صامتة قد يعتريها صخب شديد لا تتحمله الألباب ولا تستسيغه القلوب ... فلماذا يصر دعاة "الكتابة الحرة" إذا اعترضنا أننا نتسلط عليهم بقراءتنا ... وأننا لا نتمتع بالذوق الكافي لفهم هرطقاتهم ... هل علينا أن نتقبل نشاز كتاباتهم دون أن نستهجنه؟ هل يدرك هؤلاء عندما "يبدعون" أن هناك ميزانا للحق والباطل يفرضه العرف علينا وعليهم؟
نحن لا نطالبهم أن يخضعوا لقراءتنا كما يدعون ... إنما نطالبهم أن يخضعوا للحق الذي هو قانون كل الخلائق ... ولعلي أوجههم لكلام الإمام مالك حين جاء من يسأله عن الغناء أحق هو أم باطل؟ لأعرض عليهم ما عرضه عليه: انظروا إلى ما تكتبون واسألوا أنفسكم: أهو في الجنة أم في النار؟ ثم امضوا ... فقد أفتيتم أنفسكم ...
سامية مازوزي

قبل أن يجف عرقه


"أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه" حديث نبوي نحفظه جميعا أجراء ومستأجِرين (بكسر الجيم), فالصنف الأول يستأنس به وصية تركها الرسول صلى الله عليه وسلم كي يرفع عنهم العنت, والصنف الثاني يقلبه بين يديه عقدا خطته كلمات الرسول الكريم, ويشهده رب العزة, فإما أن يؤدي حقه أو يغفل عنه ...
لعل معظم أصحاب الرواتب الشهرية يتفقون على صعوبة يوم "القبض" الذي غالبا ما تكون ولادته متعسرة تزيد فيه طولا وعرضا, وقد تستعصي فتزيده أياما على قدره ... فيجف العرق ... وتحشرج الحلوق ... وتكفهر الوجوه ...
فلماذا ارتبط الأجر بشرط فيزيولوجي كالعرق؟
الجواب المحتمل ... أن الأجير يكون في ذروة عطائه لأنه يتوقع أجره ... طبعا دون أن ننكر عوامل أخرى تساهم في شحذ همته, كحبه لما يفعل واستجابته لضميره ... لذا فإن نشاطه ذاك يجب أن يُحدث ردة فعل من جانب رب العمل ... وردّة الفعل هذه إذا لم تكن بالسرعة المطلوبة ... أو إذا لم تحدث أصلا ... ستكوّن ردة فعل معاكسة لدى صاحبنا الأجير, فيجف عرقه لأنه يتوقف فجأة عن العطاء المتوقع منه ... فتخمد همته وتخر عزيمته ... وتستحيل حركاته في ميدان العمل بالية ... جافة ... من غير مردود ... ساعتها يفقد حبه لعمله ... ويفقد ضميره السيطرة على أدائه ... ثم نتساءل بعدها: أين عرق الجبين؟
سامية مازوزي



الاثنين، 6 فبراير 2012

مكنسة جدتي



"الحاجة أم الاختراع" مقولة استطاع أن يفندها المفكر الجزائري مالك بن نبي بواسطة مكنسة جدتي ... وهي ليست مكنسة بالمعنى العصري للمكنسة, بل هي مجرد مقشة قصيرة, كانت جدتي تضطر كي تستعملها أن تنحني بظهرها إلى مستوى يقارب الأرض, فإذا تعبت تنصب ظهرها وتعدله وتنفض عنها الألم المزعج, ثم ما تلبث أن تعود إلى عملها, وتظل على تلك الحال حتى تنهي كنس الفناء صغيرا أو كبيرا ... وكم من جداتنا درجن على هذه العادة, وألفن تلك الأداة, رغم حاجتهن اليومية لأداء تلك المهمة المزعجة كل يوم ... دون أن يخطر ببال إحداهن أن تحل مشكلة آلام الظهر العنيدة بعصا أطول يلصقنها بمسكة المكنسة التقليدية التي توارثنها عن جداتهن ...
لهذا غير مالك بن نبي المقولة إلى "الفكرة أم الاختراع" ... لأن جداتنا لم تخطر ببالهن الفكرة التي تخلصهن من آلامهن رغم حاجتهن إليها.
فلِمَ لا نبحث بدورنا عن أفكار نعالج بها مشاكلنا المتكررة التي أعمتنا عنها حاجاتنا الملحة؟ ...

الثابت والمتغير



يقول مثل اسباني: "يكون الخطأ كبيرا بقدر ما يكون صاحبه كبيرا", تذكرت هذا المثل مع أحداث قضية الشيخ عائض القرني وسرقته الأدبية في كتابه "لا تيأس", وما إن حكم عليه في هذه حتى أطلت عليه برأسها قضايا وهنات كانت خفية. ومنذ أن انفجرت قضيته في الصحف والناس لا تنفك تردد الديباجة نفسها عن عثرات الإسلاميين وفضائحهم, وعن تدني مستوى الثقة بهؤلاء, وعن رجال الإسلام الذين يتلبسون الحق ويحملون الباطل في قلوبهم ...
كفى ...
ظننت أننا نملك الوعي الكافي لكي نفرق بين الرجال والمبادئ, بين الأشخاص والقيم ... بين الثابت والمتغير ... فالقيم والمبادئ لا تهتز ولا تتزعزع إذا سقط أصحابها في درك الرذيلة ... كلنا ندرك هذا, لكن أحداثا كهذه يستغلها المغرضون ليلوكوا الفرع معرضين بالأصل, فيتلقونه بألسنتهم ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم!
أعترف أن المؤسف في الواقعة هو انهيار الثقة بمنظومة عملاقة شيدها الشيخ لسنوات عدة, بدءا من كتابه الذي حطم مبيعات الكتب في العالم الإسلامي "لا تحزن" (أقول هذا وأنا أضع يدي على قلبي خشية أن تنفجر قضية أخرى تدين هذا الكتاب! إذا حدث هذا فإن الرجل يكون قد انهار بالكامل, وأنا لا أتمنى له ذلك).
أخطاؤنا تكبر أو تصغر وفق أحجامنا, والفرق أيضا يكون في حجم التداعيات التي تنجر عنها, لأنها قد تقتصر على محيطنا الضيق, وقد تمتد إلى الآفاق ...
ستأخذ القضية ما شاء الله لها من الوقت والكلام, لكن الناس سينسونها وينسون صاحبها, ولن يبقى إلا الثابت والأصل الذي تمتد فروعه إلى السماء ...

عارض أمطرنا



لو تركنا لخبير في الاقتصاد, أو الإصلاح الزراعي أن يفسر لنا كيف يمكن لصلاة الاستسقاء أن تغير كل التوقعات, وتقلب أي مخطط طارئ للتنمية الفلاحية, لما استطاع أن يقدم جوابا. لأن ما حدث يوم السبت بعد صلاة الاستسقاء التي أداها الجزائريون يوم الجمعة يذهل اللبيب وهو يشاهد الكم المبارك من الغيث الرباني بعد أن يئس الفلاحون من فصل شتاء من المفروض أن يكون ماطرا.
لكن علماء التنمية البشرية, لا بد وأن يجدوا في الأمر ما يسيل حبر أقلامهم ويملأ بياض صفحاتهم عن الصدق الذي عمر قلوب المصلين المتضرعين لربهم, فغمرهم بهالة من الطاقة الإيجابية التي استبدلت طاقة سلبية استوطنت أنفسهم الواهنة وكانت سببا في الجفاف!
ومع ذلك لعل الأغلبية لم ينتبهوا للنعمة التي أفيضت عليهم بعد حرمان, والتي تكون قد أثرت وكانت ستؤثر على مستقبلهم الاقتصادي القريب, بندرة الغلال وارتفاع الأسعار ... لم ينتبهوا أنهم أمام آية عظيمة تتكرر كغيرها من الآيات ... كالولادة والشفاء والنوم ... لأنهم في عجلة من أمرهم ... ولأن التفكر صار حرفة من لا حرفة له ... لم يلقوا بالا لزخات المطر تقبل وجوههم ورؤوسهم ... ففتحوا مظلاتهم وانصرفوا مهرولين ... طأطأوا رؤوسهم وانحنوا للعاصفة ... ولعلهم لعنوا في سرهم مذيع الأرصاد الجوية الذي لم يخبرهم مسبقا كي يستعدوا. ولم يبالوا إن كان المزن أمطر لأجلهم أم شفقة على دواب الأرض ... كل ما فعلوهم أنهم رفعوا رؤوسهم إلى السماء وقالوا: هذا عارض ممطرنا ... ثم فتحوا مظلاتهم وانصرفوا ...

أفكارنا وأفكارهم



تذكرت حادثة وقعت في ديسمبر الماضي, أثناء احتفال أقامته إحدى الجمعيات المكافحة للسيدا في بلادنا, وبالضبط في قاعة الموقار ... يبدو أن المسؤولين عن الجمعية أرادوا أن يقدموا شيئا ذا دلالة للحضور في القاعة, يدركون من خلاله أهمية الوعي بخطورة هذا المرض, وتزايد نسبة المصابين به في بلادنا, وطرق الوقاية منه, والتحسيس بمعاناة المصابين به ... و ...
فقاموا بشيء لم يخطر على بال أحد من الحضور, بل جعلهم يفغرون أفواههم من الدهشة والاستغراب و ... التقزز!!!
بكل "روح رياضية" ... بل بكل وقاحة, وزعوا على الحضور الكريم الذي ضم شبابا وفتيات وعائلات محترمة ... "واقيات جنسية"!!
في الحقيقة, لم يكن لهذا التصرف من تفسير منطقي, سوى أنه مجرد حركة غير مدروسة ومقلدة مستوردة بشكل مباشر من الجمعيات الغربية ... لكن الفرق أن الجمعيات الأوربية حين تفعل هذا, يكون بناء على وعي ودراسة بالمجتمع الغربي الذي يعتبر انفلات العلاقات فيه دافعا لنشر آليات وأدوات تضبط الأمور.
أما أن تفعل هذا جمعيات جزائرية عربية مسلمة, ويتشدق به رؤساؤها في وسائل الإعلام المسموعة والمكتوبة والمرئية ... فهذا هو السفه بعينه!!
تصرفات كهذه تجعلنا ننتبه فجأة إلى العقم الفكري الذي ينخر عقول الكثيرين, فيجعلها مجرد ناسخات لكل رديء ومزرٍٍ ... ويجعلنا نفكر جديا في ضرورة إيجاد مناهج ناجعة تعلم هؤلاء أن يتوقفوا عن التفكير بتخلف ...

فرعون ...ونابليون



يقال أنه عندما مات نابليون منفيا في جزيرة سانت هيلينا سنة 1821, لم يصل خبره إلى أهل باريس إلا بعد ثلاث سنوات, وذلك ببساطة لأن الصحافة الإخبارية كانت في بداياتها, ولم تكن تملك الوسائل المتاحة للإطلاع على الوقائع ونشرها بالسرعة المطلوبة, وربما تضاف إليها حالة التعتيم التي أحيط بها الخبر من جهات سياسية آنذاك.
لكن القفزة المهولة التي حدثت في ميدان الإعلام والاتصال منذ قرن من الزمان, وخاصة في أيامنا تجعل من الصعب على أي كان أن يخفي واقعة أو حدثا. فمجرد هاتف عادي مزود بكاميرا يمكن أن ينقل المشهد الذي يحتل صدارة النشرة في القنوات الفضائية, ويلف الكرة الأرضية عبر الشبكة العنكبوتية في سرعة البرق.
وصرنا جميعا نعرف أشياء كثيرة ... ونرى مشاهد لا حصر لها, قد تعجز خلايانا العصبية عن فرزها, وباتت طقوس المباشر والبث الحي أهم عنصر في لذة المفاجأة والفضول التي تعترينا في غرفنا, في صفوف الدراسة ومكان العمل, حين يعض علينا البلوتوث ملحا بنواجذه ... بعد أن صار الكثيرون يحترفون الكاميرا المحمولة بحثا عن "اللقطة" ...
مع هذا الكم الهائل المتدفق من المعلومات, نحب أن نضع أنفسنا أمام سؤال جوهري ... لازال يطرح منذ البدء: هل يقربنا هذا الكم الهائل من المعلومات إلى الحقيقة؟
هل استطاعت هذه التكنولوجيا أن تكشف لنا هوية مدبري اغتيال كندي؟ هل استطعنا أن نعرف كيف سقطت بغداد سنة 2003؟ هل يمكن أن نعرف من يقف وراء المجازر في سوريا؟
لماذا يقودنا الكم الهائل من الوقائع والإمكانيات إلى دهاليز من الأسئلة المربكة, ما كنا لنطرحها في زمن نابليون؟ ألأننا كلما ازددنا علما ازددنا جهلا؟
الحقيقة التي لا أضمنها لكم أيضا أن لكل عصر أدواته التي تسحر عيوننا وتجعلنا نغفل عن الحقيقة السافرة, تماما مثل الحبال التي كان يستعملها سحرة فرعون فإذا ألقوها سحروا أعين الناس واسترهبوهم.
المشكلة في عصرنا أن المنظومة الإعلامية أعقد مما كانت عليه أيام فرعون, ولا نملك عصا موسى كي نفرق بين الحق والباطل ... كل ما يمكننا فعله هو أن نتحكم في ذلك الانبهار الذي يعترينا أمام الكم الهائل من المشاهد الساحرة, ونركز على الحقيقة حين تلوح لنا بيدها دون أن نخوض في لغو لا طائل منه.