الخميس، 26 يناير 2012

الزبون الملك ... والزبون العبد

نسمع كثيرا المقولة الغربية الشهيرة "الزبون ملك", وهي مقولة تفسر جزءا من آليات السوق التي تتحكم فيها معايير قيمية بين العرض والطلب, لكنها تعني لنا في مفهومها البسيط أن الزبون دائما على حق, وتتمثل في ذهنك صورة البائع البشوش المنحني أمام رغبات زبونه "الملك", والصبور على متطلباته الصعبة. لكننا في "بلادي" لا يمكن أن نتحدث عن زبون صعب مثلما نتحدث عن تاجر صعب, خاصة في أسواق الخضر والفواكه, حيث يتقمص التجار دور الجلادين, واقفين بتنطع أمام لافتات الأسعار وكأنها أسواط بأيديهم.
إذا صدقت للحظة أنك ملك, فتلك أولى علامات الإطاحة بك عن عرشك, فأي سلطة يزعمون أنها لديك؟ وأنت سترضخ في النهاية لأحكامهم لأنك لن تجرؤ على العودة إلى البيت بقفتك فارغة. فتذعن معللا النفس أنك تملك على الأقل حق الاختيار: اختيار التاجر, واختيار السلعة. ولكن الانقلاب الحقيقي يحدث حين تكتشف أن هناك سلعة خفية غير التي رأيتها تظهر فجأة على الميزان, أصغر بكثير وأقل جودة, وإذا فتحت فمك ملتمسا أو معترضا, هب في وجهك أنه يبيعك السلعة كما اشتراها من الجملة, متناسيا أنه هو من بدأ المسرحية حين قام بفرز بضاعته فوضع الجيد منها قبالة الزبون طُعما والرديء منها بين يديه. ثم ينفجر مشتكيا من زبائن آخر زمن (يعني أنت), وكيف أننا لن نتقدم إلى الأمام بسبب هذه"العقلية" (يعنيك أنت), ثم يخلص إلى أن يجعلك في قائمته الطويلة للذين أفسدوا البلاد والعباد (نعم ... أنت)! ولن تملك حينها إلا أن تنسحب من "مملكته" ناكسا رأسك, وقد أصبحت فجأة محط أنظار الجميع.
وتتساءل منذ متى سلبوك مقاليد الحكم؟ ومنذ متى لحق بك كل هذا الصّغار؟ وأجيبك: مذ صرت عبدا لقفتك!! مذ آثرت القعود في ركنك منتظرا أن يأتي التغيير من الآخرين. مذ سلمت نفسك لتيار الظروف فاستلمتك. إذا بدأت بتغيير قناعاتك فقد تستيقظ ذات يوم فتجد الأسعار رخيصة, والتاجر نفسه يسلمك تاجك وصولجانك بابتسامة لم تكن تحلم بها.
سامية مازوزي
mazouzi@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق