الأربعاء، 30 مايو 2012

رسالة طفل من "حولة"


لا أخاف الليل الساكن في حضن أمي تهدهدني ... وخيالات حكاياها تتوسد أحلامي ... تؤنسني ... فقد علمتني أمي أنني سأكون فارسا يمتطي جواده الأبيض, يسابق الريح بين التلال ... تلاحقه زفرات صبايا الحارات ... لكنه لا يبالي ... وفي عنفوان ... يقهر الغول ... ثم يعود حاملا كنز المدينة وينثره على رؤوس المعذبين ... بطلا ... سأكون ... كما في حكايات أمي ... حتى يطلع النهار ...
لكن الليل في "حولة" خان نجومه هذه المرة ... تنكر لسكونه النائم في عيون الآمنين ... فطلع عليهم الغول بالسكين ... بريق يعمي العيون ... فترتجف القلوب رجفتها الأخيرة وهي ترى اليقين ...
صرخة أمي وهي تضمني إلى صدرها لتدفع عني وعن إخوتي عيونهم وأيديهم ... لا تشبه في شيء صوتها في حكايتها ... صرخة تمزقت معها صورة الفارس الذي كنت سأكون ... الجواد الأبيض ... والريح والتلال والصبايا والحارات ...
صرخات شقت ستار الليل, لتكشف خيانته ... لتفضح الغول والسكين ... لتكشف عن دمي ودم إخوتي ... أمي وأبي ... وكل الدماء على جدران الحي القتيل ...
لم تعد ليالي وطني آمنة ... ولم تعد أبواب حاراتها آمنة ... ورجالها الذين كانوا يفدون وردها الجوري بعيونهم أكلهم الغول ... لكن دمي سيعلق في ضمائر النائمين في الحارات البعيدة ... سيحرمهم سكون الليل ... وهدأة الأحلام ...

رسالة طفل من " حولة "

الاثنين، 28 مايو 2012

نظرية المؤامرة


لطالما كنت أمقت ما يسمى بنظرية المؤامرة ... وهي نظرية تكرس التشكيك في كل الشيء, وأن كل الظواهر الاجتماعية والسياسية التي قد تبدو طبيعية, ما هي إلا تخطيط ماكر استخباراتي لجهة معينة ...
فالإنسان لم يذهب إلى القمر ... وما رآه الناس على الشاشات سنة 1969, مجرد مشهد تمثيلي ضحكت به أمريكا على العالم ... وعبد الناصر لم يمت حتف أنفه, بل اغتالته المخابرات الإسرائيلية بفيروس مجهول ... وأن الشعر الجاهلي لا وجود له, وكل ما حفظناه عن الشنفرى وامرئ القيس مجرد انتحال وتلفيق ...
وسبب كرهي لهذه النظرية أنها في نظري مجرد حجة جاهزة نشهرها عندما يقصر تفكيرنا عن استيعاب الأمور البديهية ... أو حين نعجز عن مجاراة حوار حول الأوضاع من حولنا في مقهى الحي ... ثرثرة نتفيقه فيها على الحاضرين ... مجرد قالب سهل التحضير وسريع الهضم ... تماما كالوجبات السريعة ... طعمها مغرٍ ... وتشبع نهمك في لحظات ... لكن أسوأ ما فيها أنها تجعلك تتعود عليها ... وتلغي العادات السليمة ...
الثورات العربية لم تسلم من هذا الطرح ... صحيح أننا لا ننكر وجود أي اختراق أجنبي من نوع ما ... لكن هذه النظرية تلغي جهود البسطاء ... وتسفه أحلامهم الكبيرة ... مما يجعلنا نفكر أنها نفسها قد تكون ... المؤامرة ...

ثورات الدم والعرق



أغرب النهايات هي تلك التي تنتهي إليها الثورات العربية ... أم لعلها ليست نهايات كبرى, بل فصولا صغرى تراقص مصير شعوب حلمت أنها يمكن أن تغير بأيديها, بعد صمت طويل استوطن القلوب, قدرها الذي رسخته عقود طويلة ...
ومن غرائب الفصول, نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية في دورها الأول ... تصدر مرشح الإخوان لم يكن المفاجأة, بل المفاجأة في تصويت شريحة كبيرة من المصريين لصالح الفريق شفيق, أحد فلول النظام المخلوع ...
ماذا حدث للمصريين؟ هل تجربة عام من الثورة كانت قاسية لدرجة الرغبة في عودة الحال إلى ما كان عليه؟
أم أن تجربة التيار الإسلامي في البرلمان والتي أثبتت فشلها, جعلت المصريين يراجعون حساباتهم؟
في كل الأحوال فإن الرئيس القادم أيا يكن سيعيّش المصريين أربع سنوات طويلة من الترقب والخوف ... هل باتت الثورة المصرية مجرد حلم عابر؟ هل كانت خطأ غير محسوب؟
لعلنا لا ندرك بالوعي الكافي أن الثورات ليست حلولا سحرية ... أنها حين تستنزف منا دماء الحرية يجب أن تستنزف منا عرق الصبر ... أتمنى فعلا أن يحسن المصريون استثمار الدم المسكوب والعرق المصبوب ...

من سيتكلم؟


نتساءل أحيانا أين هي جمعيات حماية المستهلك الجزائري أمام ما يحدث من تجاوزات في قطاعات شتى يعتبر قطاع التغذية أسوأها ... بل قد نتساءل هل هي موجودة حقا؟ أم أنها مجرد ملفات ولائية لهيئات غير فاعلة في المجال الذي ادعت اختصاصها به؟ في وقت يجهل فيه المواطن الجزائري أي شيء عنها وعن نشاطاتها, ويجهل حتى قنوات الاتصال بها ...
مهزلة البطاطا التي انخفضت في شهر واحد بعد أسابيع من التعذيب العلني لإمكانيات الجزائريين ... واللحوم الحمراء التي بدأت رحلتها التصاعدية نحو أيام رمضان منذ الآن ...
من يضحك على المستهلك؟ المنتجون والتجار؟ أم جمعيات حماية المستهلك التي فقدت فعاليتها ومصداقيتها منذ ولادتها؟
الغش والأسعار المرتفعة ورداءة السلعة وحتى تلك القمامة التي انتهت مدة صلاحيتها لتباع بأسعار يضحك بها على الذقون ...
من سيتكلم, مادام المواطن قد تعود على التذمر بصمت, والشكوى بين أسنانه؟

الخميس، 24 مايو 2012

عودة الابن الضال


من المهم جدا أن يعود الابن الضال إلى أسرته مهما طالت به سنين الضياع والضلال ... ومن المهم أيضا أن يعود حزب ولد معارضا إلى صفوف المعارضة بعد أن ضل عنها ونسي هدفه الذي أنشئ من أجله ...
لطالما كانت المعارضة أقصر الطرق إلى قلوب الشعوب ... والعودة إلى صف الناس الذين خرجت من أظهرهم قد تعيد إليك ثقتهم بك ... لكن الأهم في حزب محسوب على التيار الإسلامي إذا عاد إلى المعارضة أن يعود إلى العمل الجاد, وأهم من ذلك, أن يعود إلى النشاط الاجتماعي الذي يمثل أساس كل فعالية ...
التيار الإسلامي الذي فاز بالأغلبية في تونس ومصر والمغرب, فاز لأنه بقي وفيا لانتمائه إلى القاعدة الشعبية التي انطلق منها ... لأنه بقي في صف المعارضة, ولم تستهوه الحسابات السياسية ...
وإذا عاد الابن الضال إلى رحاب الأسرة, فالعودة يجب أن تكون من أجلها وليس من أجله ... صحيح أنه بحاجتها, لكنه بحاجة أيضا أن يثبت أنه أهل لهذا الانتماء ...

تحركوا ...


"كي تكون يساريا تحتاج إلى وقت طويل لتقرأ فيه ألف كتاب, أما كي تكون إسلاميا, فإنك تحتاج إلى أسبوع واحد فقط تخاصم فيه الحلاق وتربي لحيتك" ...
كان هذا هو رأي الكاتب الصحفي المرحوم جلال عامر في ما أسماه بالتيار الديني في مصر وغيرها ... فالرافضون للتيار الإسلامي يجدون كل الحجج الجاهزة كي يدعموا أراءهم ... ومما يؤسف له أن تجد في الشارع نماذج كثيرة من أشباه المتدينين الذين أماتوا علينا ديننا تؤكد مثل هذا الرأي ...
وتجد التيارات المضادة في ذلك ما يشفي غليلها, ويدعم حجتها ... لا لشيء إلا لأنهم يرفضون أن يعيشوا بدينهم في هذا الزمان ... ويغلقون عقولهم على كل الآراء بدعوى أنها تنافي العقيدة ...
يرفضون الجمال بدعوى أنه بذخ ...
يرفضون المرأة بدعوى أنها فتنة ...
يرفضون العلم بدعوى أنه غير شرعي ...
ويرفضون الجديد بدعوى أنه بدعة ...
لعمري لماذا لا ترتفع للإسلاميين إلا مثل هذه الأصوات الرافضة؟ لماذا لا نسمع أصوات الإسلاميين الفاعلين إلا خافتا؟ لماذا تبدو النماذج السيئة بلونها القاتم, ولا تبدو النماذج الجيدة إلا شفافة غير واضحة؟ لماذا يتواضع هؤلاء فيما يتبجح أولئك وترتفع قاماتهم؟ ألم يأنِ للذين آمنوا أن يتحركوا؟ 

كبد أم


الأمومة هي من الأعمال الشاقة التي رغم أنها تستنفد كل جهدك وطاقتك وأعصابك, إلا أنك لا تتمنى الاستقالة منها ... فعندما تصبحين أما, تكونين قد وقعت عقدا مدى الحياة لا يمكنك ان تضعي فيه شروطك الخاصة, في حين أنك تخضعين لشروط كثيرة وثقيلة بينك وبين ضميرك ... بينك وبين كبدك ...
رأسمال هذا العقد حنانك ... وشرطه الجزائي عقوق لا تتمنين أن يجابهك به من كانوا ذات يوم بضعة من جسدك ... من أنستك عيونهم متاعب الحمل وآلام الوضع ... عيون تعلقت بنورك وأشرقت ابتسامتها بابتسامتك ...
الأمومة هي العمل الوحيد الذي لا يستطيع أحد أن يعوضك فيه ... ولا يمكنك أن تسلمي فيه مهامك لغيرك ...
أصعب ما في الأمومة عذاب الضمير ... فضمير الأم لا ينام ولا يستقيل ... وأحيانا يعذبك على الحق أكثر من الباطل ... حين يسلم صغيرك نفسه إلى عالم الأحلام ويهدأ كل شيء حولك ... يحضر ضميرك الذي لا ينصف فيك أما حازمة ... لماذا صرخت في وجهه؟ لماذا ضربته؟ لماذا حرمته من لعبته؟ ولا يتركك حتى تعلنين التوبة النصوح ... لأن ضميرك يعرف أنه يعاتبك على كبدك ...

ماذا نريد؟


لم يحدث من قبل أن أضرب الأطباء من أجل تحسين القطاع الصحي في بلادنا, ولم يحدث أن تجمع المعلمون احتجاجا على طرق التعليم والمناهج غير الناجعة, ولم يحدث أن احتج قطاع المواصلات على تدني الخدمة أو تحسينها للمواطن ... وبين هذا وذاك يحتج المواطن دائما على حقوقه المهدورة في هذه المجالات دون جدوى ... لأنه ببساطة لا يمكنه إنشاء تنظيم نقابي يقود ردود أفعاله التي باتت شبه معطلة ...
لا أقصد بهذا أن أحقر مطالب أي عامل في أي قطاع ... فهؤلاء هم في نهاية الأمر مواطنون يحق لهم أن يتظلموا ويطالبوا بحقوقهم ... لكن المشكلة الأكبر أننا نغفل في معمعة الحق المهدور عن مطالبنا الحقيقية ... عما نريده فعلا ... عما يحل مشكلتنا من أساسها ...
لأن مشكلة أي موظف في أي نظام لا يجب أن تختصر في مطالب مادية -على أهميتها- لأنه حتى هذه الأخيرة لن تزوده بالفعالية اللازمة مادام يعمل تحت نفس النظام الإداري العقيم ... وفي ظروف مهنية تملؤها الفوضى ... وضمن محيط تعطلت مؤسساته ...

ذاكرة الجرح


من المؤلم أن تتحول نكباتنا مع الزمن وتقادم السنين إلى أيام احتفالية ... ذكرى نتجمع فيها بلا جدوى لنشاهد صورا بالأبيض والأسود للحظة ميلاد الألم ...
إن نكبة فلسطين التي سطرها قرار أممي سنة 1948, تعد أشد النكبات التي حلت بالمسلمين بعد نكبة الأندلس ... لكن الجرح الجديد من عاداته السيئة أنه ينسيك الجراح القديمة ... لأنه يظل نديا ينزف ولو ببطء ...
كل نزف قد ينتهي بالموت إذا لم يتوقف ... إلا نزيف النكبة ... لا يجب أن يجف, لا يجب أن يبرأ ... لأنه يبقي ذاكرتك حية ... منيعة على النسيان ...
كل فلسطيني لديه جرح ملتهب منذ النكبة ... جرح يذكرنا بمهزلة دولة قامت دون جغرافيا محددة ودون تاريخ واضح ... تماما كالفطر الذي لا يملك جذورا تشده إلى التربة, فيتمسك بجذع حي يمتص الحياة منه, ويتأقلم مع الظلمة التي تحرمه الخضرة التي تزهو بها كل نبتة ...
كل صهيوني الآن يتشبث بمستوطنة أقامها على ذاكرة ستة ملايين لاجئ ... حلم يداعب ضميره الغائب ويزعج ضميرنا المغيب ... لكنه ليس حلما ورديا ... لأن الجراح النازفة لا تنسى جلاديها ... ولا تنسى الصامتين على حقها ... 

تحت خط الإنسانية


احصاءات الأمم المتحدة لسنة 2009, تقول أن 20 بالمائة من الجزائريين يعيشون تحت خط الفقر, أي بمبلغ دولارين أو أقل في اليوم ... هذا إن كانت المصادر التي اعتمدت عليها موثوقة وأكيدة ... فعادة تنتهج الدول والحكومات سياسة التكتم على الحقيقة في مثل هذه المعلومات, فلا تقدم الدعم الكافي لعملية إحصائية تفقدها ماء الوجه ...
لكن الواقع يكشف لنا عن فضائح مجلجلة في جزائر استقلت منذ 1962, وجزائر إيراداتها من النفط والغاز تفيض حتى عن حاجات وأطماع ناهبيها ...
لا أحد يمكنه أن يقدم لنا رقما صحيحا عن أوضاع لأناس يعيشون تحت خط الإنسانية, ناهيك عن خط الفقر ...
عائلات قد لا تجد ما تأكله لأربعة أيام متواصلة ... تبيت في أكواخ اشبه بالزرائب ... عائلات تعيش في زمن غير زمننا ... لأننا في الألفية الثالثة لا نصدق أن شخصا يعيش بدون كهرباء ... وينام مع غروب الشمس لأنه لا يملك ثمن شمعة يستضيء بها ... ومع ذلك فهم لا يشتكون ... ولا يستجدون ... ولا ينتحرون ... لأنهم ببساطة لا يعتبرون أنفسهم من الأحياء ... 

الاثنين، 14 مايو 2012

نهاية رجل شجاع


طفلة صغيرة تلعب على سكة الحديد ... خمس سنوات ...
شاب تعود أن يجلس مع أصدقائه عند المحطة ... ثمان وعشرون سنة ...
قطار سريع قادم في المنعطف ... عمر القطار ... أطنان من حديد ...
يقفز الشاب إلى السكة ليبعد الطفلة الصغيرة المذعورة ...
النهاية: يكتفي القطار بجسد الشاب الذي نجح في إنقاذ الطفلة وفشل في إنقاذ نفسه ...
نهاية رجل شجاع ... رغم كل الدراما التي تغلفها ... إلا أنها واقع وحقيقة ...
حقيقة غيرت مشاهد الانتحار التي اعتادتها اليوميات الجزائرية إلى مشاهد ارتفعت بها إلى قمم البطولة الإنسانية ... ما زال هناك شباب يتمتع بالمروءة الكافية كي يتغلب على أنانيته وهمومه اليومية ... كي ينظر إلى الآخرين نظرة تمنحهم الحياة ... حتى وإن كانت نظرته الأخيرة ...
على الجانب: أم تحمد الله أن ابنتها عاشت لتكون عروسا ... وأم تحمد الله أن ابنها مات ليكون رجلا ... وشتان بين حمد وحمد ...
على الهامش من كلام الناس: لا بد أنها مجرد عملية انتحار, وقصة الطفلة مجرد تلفيق ... لا بد أن يغيب مدير المحطة وراء القضبان, لأنهم المسؤولون عن مراقبة السكة ... هل انتخب هذا الشاب قبل أن يموت؟ فالخبر لم يذكر سبابته اليسرى, بل ذكر سبابته اليمنى التي رفعها للشهادة ...
ويسدل الستار على مشهد أفسده كلام لا يقدم ولا يؤخر ...

فوبيا التغيير


شواهد كثيرة تؤكد أن الكثيرين منا يخشون التغيير ... أو لعلهم على الأقل يخشون تحمل مسؤوليته والمبادرة إليه ... فهم يركنون سياراتهم في المكان نفسه ... يسلكون الطريق نفسه بين العمل والبيت ... يفضلون اللون نفسه ... يتخذون قصة الشعر نفسها ... تفاصيل بسيطة لا يتكبدون عناء التفكير في تغييرها ... لأنهم لا يملكون بدائل لها ... أو لا يتصورون أنفسهم مع تلك البدائل ... باختصار ... لا يثقون في أي بديل حتى وإن ساء الوضع ... لأنهم يخشون أن يسوء أكثر ...
هو نوع من الجبن المبرر ... حين تغيب الثقة ... لكنه جبن على أية حال.
شعوب كثيرة فقدت خطوات نحو قرون قادمة في التاريخ لأنها تخشى المغامرة ... وتعاني من فوبيا التجارب الجديدة ...
فبنو إسرائيل لم يتقبلوا فكرة عبادة رب موسى الذي لا يرونه ... لذا فبمجرد أن جاوزوا معجزة فلق البحر إلى ضفة جديدة, شدهم الحنين إلى أول صنم شاهدوه ... وانساقوا وراء العجل الجسد لمجرد أنه مثل منطق تقاليدهم القديمة التي نسوا أنهم عادَوْا فرعون لأجلها ...
لماذا ننتظر دائما أن يأتينا التغيير على ألواح موسى؟ بينما هو في الحقيقة شيء في أنفسنا ... نخشى أن نطلقه كحيوان بري لا نملك ترويضه ...
أحيانا لا ينقصنا إلا لحظة شجاعة ... طفل صغير ترهبه ابرة دقيقة تقترب من ذراعه ... لكنه سرعان ما يدرك أنها ... لا تؤلم ...
سيحين وقت يجب أن نواجه فيه جميعنا وخزة الإبرة مرة واحدة وإلى الأبد ... حتى نتحرر من أنفسنا ...

قرار



قرارات كثيرة نتخذها لا نتحمل تبعاتها وحدنا, بل تؤثر حتما في أجيال قادمة, وترتبط بمصيرهم ... ومع ذلك لا نشعر بثقل الحمل الذي نحمله على ظهورنا لمجرد قرار نعتقد أنه يخصنا, دون غيرنا ...
فقرار آدم عليه السلام بأن يأكل من الشجرة, أخرجه هو وزوجه من الجنة, لكنه حدد مصيرنا على هذه الأرض ... وذلك من قضاء الله الذي لا راد لحكمه ...
ولا داعي لأن نسرد كم القرارات التي اتخذها القادة والملوك لحاجة في أنفسهم, فغيروا مصير أمم بأكملها ...
 وحتى القرارات التي نعتبرها مصيرية في حياتنا كالكلية التي نختارها بعد البكالوريا, ستحدد وجهتنا المهنية ومكانتنا الاجتماعية والاقتصادية والناس الذين نقابلهم ونتعامل معهم, مما يؤثر حتما على الأسرة التي سنكونها مستقبلا وبالتالي على مصير أبنائنا ...
ولا يمكننا أن نتصور حجم الفارق الذي سيحدثه مجرد قرار بسيط باستقلال قطار من عدمه, أو سلوك شارع دون غيره, أو حتى أن تخرج من بيتك اليوم أو تبقى فيه ... الأمر يبدو مخيفا إلى حد ما ... ويفتح مجال "لو" التي تفتح باب الشيطان ... لكننا نتمنى أن نتحلى بقدر بسيط من المسؤولية أمام قراراتنا, ونعلم أنها لا تخصنا وحدنا ... 

هل تحبه؟


من علامات الحب الصادق اللهفة على المحبوب ... لهفة رأيناها في ملامح تلك الصحابية التي كان كل همها عند عودة جيش المسلمين من غزوة أحد هي السؤال عن حال الرسول صلى الله عليه وسلم ...
هي الابنة والزوجة والأم التي أرسلت أباها زوجها وأبناءها إلى نفس الغزوة ... لم تتحمل الشائعة التي انتشرت حول مقتل النبي الكريم, فخرجت لملاقاة العائدين تسألهم: ما فعل الرسول؟ فينعون إليها مقتل الثلاثة, لكنها لا تبالي طالما قلبها لم يطمئن بعد على حبيبها الأول رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولم يفتر لسانها عن السؤال: ما فعل الرسول؟ ولم يهدأ لها بال حتى رأته, فقالت: كل مصيبة بعدك جلل -أي هينة- ...
صحابية تجعلنا نشكك في الحب الذي ندعيه للنبي الكريم ... هل نسأل عنه اليوم كما فعلت هي بالأمس ... وكل حادثة في واقعنا تستدعي منا السؤال: ما فعل الرسول؟ وما نفعل نحن؟ ... حب يزن إيماننا بكفة ودنيانا بكفة أخرى ... ونحن من يرجح ... ماذا نختار؟ حب حق لنا أن نجاهد أنفسنا عليه ... قبل أن نحاسب على قلب لم نضع خفقاته في مكانها الصحيح ...

صنع في إسرائيل


أذكر مرة قصة حدثت في إحدى الإقامات الجامعية للطلبة في الجزائر, حين أحضر أحدهم قطعة صابون, دار حولها لغط كبير ... فقد كان الطلبة يتقاذفونها باشمئزاز وقرف كأنها موبوءة محملة بالجراثيم ... وكان السبب أن عليها كتابة "صنع في إسرائيل" ...
هذا التصرف الذي يبدو مبالغا فيه ... على عفويته ... يعبر عن مشاعر الجزائريين تجاه كل أشكال التطبيع مع "إسرائيل" ... حتى وإن كانت في صورة قطعة صابون ...
وإذا سألت أي رجل بسيط في الشارع عن الأمر, فلا تستغرب إن بادرك بالاستعاذة بالله مما تقول ... فهو يكره إسرائيل أكثر مما فعل شعبان عبد الرحيم ... يكرهها أكثر من فريق محلي ينافس فريقه المفضل ... أكثر من المضاربين الذي رفعوا الأسعار ليضيقوا عليه معيشته ويوسعوها على أنفسهم ... أكثر من جاره "الإرهابي التائب" الذي صالحه على دم ابنه وأبيه ... ومع ذلك لا يتصور أن يصالح صهيونيا على قطرة دم فلسطيني تجري في عروقه هو ...

نفاق



فاطمة لمنور وآسيا بلعيال, جزائريتان قامتا بزيارة إلى الضفة الغربية مع مجموعة شباب من 15 دولة عربية في إطار ما سمي بالتبادل الشبابي العربي ... لكنهما قوبلتا بفتاوى الرفض ودعاوى السياسيين بتهمة التطبيع, رغم أنهما كانتا في ضيافة السلطة الفلسطينية. ووجدتا نفسيهما في موقف سخيف للدفاع عن قرارهما أمام تهمة أسخف ...
تهمة التطبيع في أيامنا هذه أصبحت صيحة من صيحات الموضة ... وهي عندنا صارت تشبه تهمة المعاداة للسامية عند الصهاينة ... نطلقها وقتما شئنا وكيفما شئنا حين لا نجد ما نعزي به إخواننا الفلسطينيين ... نوع من النفاق الذي لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يبرر عجزنا وصمتنا أمام قضيتهم وقضيتنا ...
فمع عجزنا عن تحرير فلسطين لندخلها, صرنا نحرم دخولها لأنها محتلة, ولمجرد أن دخولها قد لا يتم إلا عن طريق قنوات إسرائيلية ...
لقد حرمنا أنفسنا من كل وسائل المساندة والحب لفلسطين ... واحترفنا النفاق في تعاطينا مع القضية ... ولن أتحفظ إذا قلت أن كل عربي يقول لفلسطين أحبك ما هو إلا منافق ... فاعذريني حبيبتي على نفاق لا يكفره سبعون استغفارا ... وسأتفهم قرارك إذا لم تصلي على عربي فينا وإذا أبى كبرياؤك الشامخ أن يقف على قبر واحد منا ...

الداي والمروحة


في مثل هذا اليوم سنة 1827, وقعت تلك الحادثة التي غيرت مصير الجزائريين, وقيدته بسلسلة من الذل والهوان قرنا وثلثا ...
حادثة المروحة على بساطتها ... وتفاهتها ... تعتبر أغرب سبب تتخذه دولة ما ذريعة لحشد الجيوش والإمكانيات العسكرية للقضاء على شعب بأكمله والعمل لقرن قصد محو قرون من الحضارة والتاريخ ...
ومن الطريف أن نتساءل بغض النظر عن عجرفة القنصل الفرنسي في ذلك الاحتفال الذي حضره في قصر الداي الكثير من الدبلوماسيين, قلت من الطريف أن نتساءل عن الأثر الذي أحدثته مجرد عادة شخصية ... وهي اتخاذ الداي مروحة خاصة بيده, كان يهش بها ويحركها بصفة لا إرادية ... وكم من السلوكات اللاإرادية التي قد تكلفنا الكثير إذا استغلها الانتهازيون وضعاف النفوس ... لذلك وضعت البروتوكولات كواحدة من أهم أسس التعامل في القصور الرئاسية والملكية ...
وبعيدا عن البروتوكولات ... وعلى المستوى الشعبي هناك الكثير من السلوكات الفردية التي نأتيها ولا نلقي لها بالا فيفسرها الآخرون تفسيرات ... لا ندري ما يصلنا منها ... ويحضرني تساؤل طريف الآن: ماذا فعل الداي حسين بعد الحادثة بالمروحة؟

من يكتب قدرهم


يوم الفاتح ماي يمثل ايضا ذكرى عزيزة على الصهاينة ... هو يوم ساشوه, ذكرى محرقة الهولوكوست المزعومة ... أقول ذكرى عزيزة ... رغم الألم الذي تصطبغ به ... لأنهم أفلحوا في استعطاف العالم واستمالته إلى كذبة ألفوها وصدقوها ... وصارت بطاقة يرفعونها للتهديد والوعيد ... فمن ينكر المحرقة فهو نازي ... ومن يشكك فيها عدو للسامية ...
وعلى غرار الهيكل المزعوم الذي يدكون أساسات الأقصى لأجله ... لا يزالون يبحثون وينقبون عن كل شهادة أو وثيقة تؤكد كذبتهم التاريخية  ...
لكن المجازر التي يرتكبونها على مرأى من الشاشات والشهود ... يمكن أن يوجد لها تفسيرات وتبريرات عدة ... فهم من يكتبون التاريخ ... وهم من يكتبون الإعلام ... لكنهم عبثا يحاولون أن يكتبوا قدرهم ... لأن قدرهم لن يكتبه غير الذين أسالوا دماءهم وشردوا أرواحهم بين المخيمات ...

الديناصورات عندها ... دم


أثار قرار غوارديولا مدير نادي برشلونة بالاستقالة دون مقدمات الكثير من الدهشة والاستغراب, خاصة مع تاريخ الرجل وإنجازاته المشهودة مع النادي العريق ... لكنه يبعث على الاحترام والتقدير لهذه الشخصية بعد معرفة السبب الذي لم يبطل العجب ...
فحين سئل عن سبب استقالته وتخليه عن إدارة النادي قال: "لقد قررت الرحيل لأنني بدأت أشعر أنني أفقد تدريجيا حالة الشغف بكرة القدم" ...
ولأن الرجل يدرك أن الشغف أساس للعطاء والإبداع, فقد آثر الانسحاب بشرف, على المكوث في منصب يأخذ منه دون أن يعطيه ...
لعل غوارديولا تمتع بالشجاعة الكافية ليعترف لنفسه بالعجز عن العطاء, والانسحاب من منصب يحمل كل المال والشهرة والجاه ... في حين يكابر الكثير من الرؤساء والساسة والإداريين على أنفسهم وعلى مواطنيهم, ويتشبثون بمناصب لم يكونوا أهلا لها ... فهم لم يفقدوا الشغف الذي لم يملكوه يوما ... بل فقدوا اليد والقدم والسمع والبصر والعقل والقلب ... باختصار جثث على كراسي ...
لهذا انقرضت الديناصورات ... لأنه كان عندها ... دم ...

البابا في جهنم!


تناقلت الأخبار أن ممثلة إيطالية قد تتعرض للمحاكمة لأنها أهانت البابا وقالت أنه سيعاقب في جهنم بسبب معاملة الكنيسة للشواذ جنسيا!!
لهذا المشهد وجهان: الأول أننا وصلنا إلى زمن تدخل فيه شاذة على رجل دين بجهنم لموقفه السلبي تجاه الشواذ ... الأمر مضحك ويبعث على السخرية من الواقع الذي صار فيه قلب القيم أمرا عاديا ومستساغا ... أليس هذا الذي يحملونه الذنب هو المناط به أن يمنحهم صكوك الغفران ليكفروا بها عن ذنوبهم؟
والوجه الثاني: كيف وُجد قانون في أوروبا يجرم ممثلة "عبرت عن رأيها" في البابا؟ أليس هذا منافيا لقواعد حرية التعبير التي تشدقوا بها حين نشروا تلك الرسوم المشينة في صحفهم عن رسولنا صلى الله عليه وسلم؟ أم أن الكيل بمكيالين أمر جائز في أعرافهم؟
لكن المشهد الآن يقف بنا بين حلين: إما أن تحاكم الممثلة لأنها تهجمت على رجل دين تمنحه القوانين حرمة رئيس دولة, أو يدخل البابا إلى جهنم لأن كنيسته تضيق على حرية الشواذ ... وليكن هذا استفتاء لكل الأوربيين الأحرار ...