الخميس، 29 مارس 2012

أعز الأشياء


قالوا: أعز الأشياء ثلاثة: الجود من قلة، والورع في خلوة، وكلمة الحق عند من يرجى أو يخاف".
هل تجد نفسك عند واحد منها؟ إذا ملكت الثلاثة, فقد بلغت الغنى ...
كثيرين منا منشغلون بعدّ ما عندهم من قلة عن الجود بها ... وحجتهم أن عليهم أن يعرفوا حجم هذه القلة كي يحسبوا النسبة التي سيجودون بها ...
وبعضنا ليس لديه الوقت ليخلو بنفسه كي يتورع فيها ... مع الصخب الذي يعلو من تلفازك وتلفاز الجيران ... ومع الخصوصية التي حرمتك منها الإنترنت ...
ثم إنك لن تستطيع أن تحصي الكم الهائل من الصفحات والفيديوهات التي صرنا نهذر فيها بكلام نخلط فيه بين الحق والحقيقة ... فليس الفيسبوك أو التويتر ولا اليوتوب ممن يرجى أو يخاف ... ومعظم الحق الذي نتشدق به إنما هو حق يراد به باطل ...
ورغم كل ما صرنا نملكه الآن ... لا زلنا نفتقد أعز الأشياء ...

عابر تاريخ


حماتي امرأة في عقدها السابع, ككل النساء الجزائريات تحمل التاريخ ذكريات بريئة لطفلة صغيرة وامرأة شابة ...
طفلة رأت الجنود الأمريكيين يجوبون شوارع العاصمة حين كانت في السابعة عام 1942, وكيف كانت هي وأقرانها يرددون جملة انجليزية واحدة لمخاطبتهم, دون أن تعرف أنها لغة إنجليزية ... حين تذكر هذا تضحك كثيرا ...
امرأة شابة, تذكر كيف اقتحم جنود الاستعمار بيت العائلة بحثا عن أخي زوجها, وكيف فكوا قماط وليدها كي يبحثوا عن قطعة سلاح ... وحين تذكر هذا تلمع عيناها فخرا ...
وهي في الحادية عشرة, حين كانت في خميس مليانة عند خالتها, أخذها عمها لاستقبال مصالي الحاج بالزهور, تتذكر كيف خطب فيهم عن جزائر حرة مستقلة ... لكن هذه الحادثة لم تذكرها إلا حين رأت لقطة عنه في إحدى القنوات الجزائرية الجديدة ... بعد التعتيم الإعلامي والتاريخي الطويل الذي لف هذه الشخصية ... حين رأته صرخت: الحاج مصالي ... ثم بكت ... وهي تقص علي كيف دخل هذا الرجل بتاريخه إلى ذاكرة طفلة في الحادية عشرة ... بكت رغم أنها لا تعرف أنه مات في المنفى كأنه لم يناضل ولم يؤسس لفكرة الكفاح المسلح ... رجل غيبت صورته كأنه عابر تاريخ ...

هو وهي


هو وهي
ضدان, كما يقول الشاعر:
 ضدان لما استجمعا حسنا   والضد يظهر حسنه الضد
على الرغم من الاختلاف بينهما ... فإن هذا الاختلاف وجد لكي يصنع تكاملا عجيبا ... لو قدر له أن يوجه التوجيه الصحيح ... ولكن متصيدي الفرص ... الذين يحلو لهم الاصطياد في المياه العكرة, خلقوا بين الطرفين فتنة طائفية تشبه تلك التي يسفك فيها الدم وتنتهك الحرمات.
ما هو الوضع الطبيعي لهما؟ السؤال جوابه في بدء الخليقة: الجنة ... فعندما خلق الله آدم وحواء أسكنهما الجنة, وأحل لهما أن يأكلا من حيث طاب لهما ... لأن ما بينهما من مودة ورحمة كفيل بأن يمنحهما النعيم الذي يستحقان ... لكن وبمجرد أن تدنس هذه اللحمة, تطلع رؤوس الشياطين ...
لماذا لا يتفقان ويرضى كل بما قسمه الله له؟ ... ألم يأن لكل منهما أن يضع السلاح ... ويكف عن ترصد صاحبه غدرا؟ فالجنة تتسع للجميع ...

فكرة وتغيير


الفكرة التي لا تغير صاحبها لا تستحق العناء ... أفكار كثيرة تولد يتيمة, فإذا تلفتت لا تجد لها صاحبا ... فكل من حولها مجرد أوصياء وصوليين استهوتهم الفكرة سلما يصعدون به إلى أحلامهم الجوفاء ... لكن حياتهم لا تجسد شيئا من تلك الفكرة ... ولا حتى ظلها ... لذا, سرعان ما تهوي بهم وبزيفهم أسفل سافلين ...
ذلك ما نفتقده اليوم ... القدوة ... نستطيع أن نتحدث إلى الصباح عن المبادئ ... لكننا إذا لم نتمثلها في أنفسنا ... فإن خطاباتنا المملة لن تغير أحدا ... ولن تنهض بأمة ... ببساطة, لأنها لم تغيرنا نحن ... ولم تنهض بنا من مستنقع الدعة والخمول ...
الفكرة كالوقود ... لكنها إذا لم تملأ الخزان, فلن يعمل المحرك ...
نريد لأفكارنا أن تملأنا وتمتلئ بنا ... فتفيض على من حولنا لتسقي عروقهم الجافة ... وتبعث فيها الحياة ... وحين تزهر البراعم فينا ... لا بد أن عبيرها سيصل إلى غيرنا ...

الأربعاء، 28 مارس 2012

الكلام المجاني


نتكلم كثيرا ... خاصة مع كثرة قنوات الاتصال التي تتيح لنا ذلك ... في تدفق مشاع لا يحكمه شيء ... ولا ينهره آمر ... ويحلو لنا أن نستجيب لشطحاتنا الفكرية والجنونية ... فكلنا شعراء يتبعنا الغاوون ... وكلنا غاوون نتتبع شعراء الكلام, حين تصير عملة الكلام أرخص العملات ... "الهدرة باطل" فالكلام مجاني حين لا نجد من يحاسبنا عليه ...
فلو أن الكشغري الشاعر السعودي الذي تطاول على الرسول صلى الله عليه وسلم في تغريداته التويترية لم يكن سعوديا لما وجد من يحكم عليه بالردة ... ولما هرب إلى خارج بلاده كي يعود إليها مكبلا بأمر ضبط ...
لو أنه غير جواز سفره قبل أن يكتب ما كتب لسطر ما قال بحروف من ذهب ولنحت ما صنعه في صرح الحرية ... وإن كان قد وجد من يحاسبه في الدنيا ...فسيجد كل منا من يحاسبه في الآخرة على حصائد لسانه ... وجنايات أقلامه .. 

غريبة هي الثورة


أغرب شيء في الثورات أنها تسفر عن نتائج تشبهها تماما ... أقصد أنها تشبهها في طابعها الفوضوي العارم ... إذا كنتم تتفقون معي, أنه رغم نبل كل الثورات, إلا أنها تأتي كالإعصار ... كالرياح, فكما أنها تحمل معها البذور والبراعم الصغيرة لحياة جديدة ... تحمل إلينا, للأسف, القمامة والفوضى والدمار ...
لكن الأهم من ذلك, أننا بعد أن يمر الإعصار لا نكتفي بالتواري تحت الحطام والركام ... فالثورة التي تحمل التغيير الجميل ... لا بد أن تهدم شيئا أو أشياء ... ولا بد أن يصيب الهدم بعضنا بطوبه أو حتى بجلبته ... فلا تتوقعوا أن التغيير يأتي كما تنبت الزهور ... فحتى الزهور حين نبتت وأينعت ... كانت في البداية بذرة شقت بطن الأرض لتطلع إلى النور ... 

جدتي


أجمل شيء في جدتي هو ورعها وحياؤها ... شيئان لا تجدهما فيمن هو أصغر منها سنا, ولا أكثر ثقافة ... حياؤها يشبه حياء ذوات الخدور ... يملؤها نورا ورقة وجمالا رغم التجاعيد التي تملأ وجهها ...
 جدتي لم تتعلم ولا تحسن القراءة ... ومع ذلك فإنها تحسن ما يستعصي على الكثيرين: ضبط علاقتها بالله وعباده ...
لم أسمعها يوما تدعو على أحد, ولم أشهدها تشكو من أحد ... فكل الناس عندها معذورون لا تهمة تكدر صفحتهم عندها ...
جاوزت التسعين ... وبسبب الروماتيزم لا تستطيع المشي إلا زحفا على ركبتيها ... ومع ذلك حين رزقها الله عمرة في رمضان الماضي, لم تتنازل عنها, بل أصرت على الذهاب رغم مشقة السفر, ورغم أنها لا تستطيع أن تقوم على حاجاتها بنفسها ... وحين لمحها شاب في المطار على حالها تلك ... أشفق عليها وسألها: من لك هناك؟ فأجابته بكلام يعجز ذوي الألباب: ليَ الله ربي ...
صوتها على الهاتف من الحرم كان أقوى من صوتها المتهالك في سائر أيامها ... أدت شعائرها بيسر لم يقيظه الله لمن هم أصغر منها سنا وأقوى بنية ... وعادت بأحسن مما كانت عليه, وكلها شوق ان تعود إلى هناك مرة اخرى ...
إذا اردت درسا في التنمية البشرية فهي جدتي ... ومن دون كلمة زائدة ...

تنازل


لأننا ملتزمون ... نشعر دائما أننا متهمون ... وهو ليس شعورا وهميا, فنحن متهمون بأننا لا نتقبل الآخر, بالرغم من أن الآخر هو من لا يتقبلنا ويقصينا ويهمشنا ... متهمون بأننا متطرفون ... لكنهم تطرفوا حين رفضونا ... حين عزفوا عن الاستماع إلينا ... وناصبونا العداء ... فقط ... لأننا نختلف عنهم ...
اتهمونا بالإرهاب ... لكن الإرهاب الذي تمارسه أفكارهم علينا لا يختلف عما اتهمونا به ... ولئن بسطوا أيديهم ليطفئوا نورنا ما كنا لنبسط أيدينا نحو ظلمتهم ... فمنذ أن اتخذنا "لكم دينكم ولي دين" شعارا وديدنا ... انسحبنا من المواجهة التي فرضت علينا ... ودخلنا نفق التنازلات ... واحدا تلو الآخر ... واتخذوها مطية لهم ... إذ لا يستطيع أحد ركوب ظهرك إلا إذا انحنيت ... ونحن انحنينا وطأطأنا الهامات, تُحركُنا "ادفع بالتي هي أحسن" ...
فالحجاب ليس فرضا ... والردة حرية فكرية ... ومعاهدة مع بني صهيون نحترمها مع أنهم يركلوننا بالجزمة ... والقائمة تطول كي يرضى عنا الباب العالي.  حتى وجدنا أنفسنا فجأة محاصرين بالأقلية ... ونحن كثرة ... لكننا كغثاء السيل ... كل قضيتنا أن نطلق اللحية ونعفي الشارب ... ونكفر الحلاق بغير وجه حق ... وصلاتنا فجرا لم ترتفع شبرا ... فلن نحرر أقصى ... انسَ ... ولن نعيد أندلسا ...

ويسلموا تسليما ...


رجال الدعوة الإسلامية في كل مكان بين نارين: قلة الفعالية وكثرة التنازلات ...
فقلة الفعالية نابعة من عدم وجود برامج واضحة لأهداف ومشاريع تبدو خيالية أو ضربا من اليوتوبيا ... مما يجعل الناس يتخيلون أن هؤلاء إذا حكموا ستتغير الدنيا بين ليلة وضحاها ... ويعود بنا الزمن إلى عصر الصحابة المجيد ... هكذا بضغطة زر ... حتى أن زميلة لي أيام الدراسة فهمت أن الشعب كله سيستيقظ فجرا ليؤدي الصلاة في المسجد ... وأن الدولة كلها ستنام بعد صلاة العشاء ... أو لعلها ستحيي الليل في التهجد ... لم أستطع حينها أن أرد عليها, لأنني لم أرد أن يخيب أملها ... ولأنها كانت تؤمن بصدق أن ديننا قادر على تغيير الناس ... ونسيت أن تتساءل ... هل هؤلاء الناس جاهزون لهذا التغيير؟ وهل يملك قادة التغيير الآليات والطرق اللازمة؟
ماذا يمكن أن يحقق برنامج سياسي لا خبرة له في أربع أو خمس سنوات على أرض واقع مزروعة فتنا ودسائس ومؤامرات؟ إن نقطة ضعف المشروع الإسلامي تكمن في عدم وجود قاعدة شعبية متينة تؤمن بالمشروع ذاته, وتعي أهدافه, وتؤمن بوسائله ... ثم قبل هذا عليها أن تدرك أنه لن يحقق مبتغاه إذا لم تسلم له وتثق به ثقة تامة, مصداقا لقوله تعالى: "فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" النساء 65. فهل الرجال الموجودون في الساحة أهل لحمل هذه الرسالة, هل هم أهل للثقة والتسليم المطلوبين؟ هنا يأتي دور النقطة الثانية, وهي كثرة التنازلات ... والتي سأتناولها في العدد القادم بإذن الله ...  

الجمعة، 16 مارس 2012

قلب قرصان


تساءلت مرة أين يكون قلب القرصان الذي يجول البحار السبعة, ويصول بينها يجمع من كنوز الآخرين ليصنع كنزه؟ فالحكمة تقول حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك ...
كنز يأخذ منه إحدى عينيه وإحدى ساقيه, ويعطيه قطعة جلد وساقا خشبية ... ومجهولا يستدرجه إلى الأفق ببوصلة عنيدة لا تعترف بآثار الصدأ التي أتت على الإبرة المرتجفة ...
لكنه مع ذلك لا يخطئ أبدا جزيرته التي يخبئ فيها جزءا من قلبه في كل مرة يزورها ... داخل صندوق محكم الإغلاق ... في حفرة عميقة ... تسخر منه ومن كنزه ... ومن كل الرجال الذين سيأتون من بعده كي يموتوا على حافتها ... من أجل صندوق ...
كلنا قراصنة في بحار تعرفنا ونجهلها ... ولكل منا تاريخ تكتبه ساق خشبية تقرع ظهر السفينة جيئة وذهابا ... عن لص ... أو عن بطل ... عن قلب ضيع وجهته ... أو وجد ضالته ... ولم يترك شيئا يدل عليه ... سوى خريطة خرساء تقول كل شيء ... لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ...

آمالنا ومخاوفهم ...



أفكارنا في التغيير قد تختلف بعد أن تتاح لنا فرصة تطبيقها, ذلك أننا ودون أن ندري نضع أنفسنا في إطار تضييق يحاكي ذلك الذي كان مفروضا علينا, ونفرض على أنفسنا استخدام بوصلة لضبط اتجاهنا مع اتجاهات الآخرين ...
لكن ما هي البوصلة التي يستعملها الشيخ راشد الغنوشي حين يقول أن العلمانية ليست إلحادا, وأن حرية الدخول إلى الدين مثل حرية الخروج منه, لأن الإسلام لا يحتاج إلى المنافقين؟ ... أم لعله يطبق المثل القائل: "لا تخبر الرجل الذي يحملك أنه أعرج"؟ ...
وما هي البوصلة التي اعتمدها البرلمان المصري ذي الأغلبية الإسلامية, حين أعلن أنه سيحترم الاتفاقيات التي التزمت بها مصر في العهد البائد, في إشارة إلى اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل؟ ...
لماذا تحاول أن تخطب ود الأقلية بالتنازل عن مبادئك, بعد أن اختارتك الأغلبية من أجل هذه المبادئ؟
أم أن تفاؤلنا ومخاوف الآخرين من صعود التيار الإسلامي إلى الحكم, كان مبالغا فيها؟ ... لأن مخاوفهم تلك انتصرت على آمالنا ...  وأن التغييرات التي كنا نحلم بها تحتاج إلى مهدي منتظر ... 

على طريق واحد


من الجميل أن نطلع على هذا التناغم النادر بين حزبين متنافسين على السلطة في مصر, (وأقصد بذلك حزب النور والإخوان), ولعل الطرفان أحسنا استغلال توجهيهما المتماثلين, لتقديم صورة أخلاقية راقية عن الأداء الديمقراطي الراقي.
فكل طرف يربأ بنفسه عن الانزلاق وراء الافتراءات والشائعات التي تحاول إثارة الفتنة بينهما ...
وأكثر من ذلك, كيف يدافع بعضهم عن مواقف بعض, وكيف يلتمسون الأعذار في تجسيد فريد لمفهوم أخوة الدعوة ...
نموذج نفتقده في الحركة الإسلامية عندنا ... بل إننا نجد الانقسام في الحركة الواحدة لحسابات شخصية واختلاف في الآراء أفسد قضايا الود كلها ... 
والأمر في نظري عائد بالتأكيد إلى التاريخ الحركي لكلا التنظيمين: الدعوة السلفية والإخوان, والذي تمكنا خلاله من تكوين قاعدة بشرية مؤطرة وجاهزة للعمل الدعوي الساعي ليتنزه عن الوصولية.   

فوتوشوب


الكل صار يتحدث عن الأخبار المفبركة ... والكل صار يفهم في الفوتوشوب والصوتوشوب ... وبمعرفة بسيطة بالمونتاج ... صارت الأخبار كلها "تخاريف شوب" ....
وليس هذا من فعل أفراد تستهويهم تقنيات الكمبيوتر ... بل هي قنوات وجدت لها مكانا في فضاء البث المشاع ...
وبعد أن كانت الجزيرة إلى وقت قريب كعبة الأخبار ... جاء من يغير قبلتنا ... ليقول لنا ... من حيث خرجت فلا تولِ وجهك شطر الجزيرة ... أينما تولون وجوهكم ليس هناك حقيقة ... فقد صار بالإمكان ببعض المونتاج من قناة الدنيا إثبات أن مشاهد الجزيرة مجرد فبركة ... ودخلنا في دوامة لا نعرف معها من بدأ الكذبة ... الجزيرة أم الدنيا؟
صار الناس يشككون في الدماء التي يرونها, وأصوات الهتاف التي يسمعونها ...
وصارت جنائز السوريين مجرد بيانات رقمية في كمبيوتر أحدهم ...
لكنني قررت أن أركن إلى رأي أخير وليس آخر ... وهو أنني لا أستطيع تكذيب دموع الثكالى, ودماء القتلى ... لا يمكنني أن أكذب صوتا رفعه سوري إلى عنان السماء ... يا رب ... 

الخميس، 8 مارس 2012

في عيدك سيدتي ...


في عيدك سيدتي ... جربي ولو لمرة أن تحتفلي بأنوثتك على طريقتك الناعمة ... بدل أن تستأجري رجولته ... وتشتري وردة حمراء ... حين زرعها هو في بيت بلاستيكي ... لم يكن يفكر فيك ...
في عيدك سيدتي ... تخلي عن عناد الطفلة المدللة الذي يتفجر في يوم واحد ... وأرني إصرار امرأة نبيلة بقية أيام السنة ...
في عيدك سيدتي ... تذكري أنها سنة كبيسة ... تسخر من يومك هذا ... فعوضته بيوم أضافته لنفسها ... وليس هناك أشد انتقاما من الأنثى غير الأنثى ...
في عيدك سيدتي ... انصفي نفسك ... قبل أن تطالبيه بإنصافك ... وخذي حقك من امرأة مثلك ... تتكلم باسمك لتنتهك حقوقك ...
في عيدك سيدتي ... من هنأك وأعطاك نصف يوم ... هو أول من لا يعترف بأنك الكاملة ...
عيدا سعيدا ... سيدتي ... 

كذبة على طرف أنف


لأول مرة في بلد عربي يحدث أن يقال نائب من حزبه ... لأنه ... كذب!!
والغريب أن ما كشف كذبته هو ... أنفه ...
أنا لا أتحدث عن بينوكيو  ... الدمية الخشبية التي يبدأ أنفها بالاستطالة كلما كذبت ... فالأمر أبسط بكثير ... أو لعله ... أعقد ... لنبدأ الحكاية من البداية ...
القصة أن النائب المصري أنور البلكيمي من حزب النور السلفي أراد أن يجري عملية تجميل لأنفه, وبما أن هذا الأمر محظور في مبادئ الحزب, فقد أجرى العملية سرا في أحد المستشفيات الخاصة ... ولكي يفسر الضماد والجرح على أنفه اختلق كذبة, ظن أنها لن تنكشف, حيث ادعى أن جماعة من خمسة مسلحين حاولوا قتله وسرقوا منه مبلغا ماليا معتبرا, لكن الله نجاه ...
هذه الكذبة المختلقة كانت مناسبة, في نظره, لحالة الانفلات الأمني التي تعاني منها مصر ... لكن إدارة المستشفى الخصوصي, خوفا من تداعيات قصته, لم تلتزم الصمت, وكشفت كذبته ...
وانتهت الحكاية بقرار الحزب إقالة المذكور ... أو لعلها لم تنته ... لأن هناك من يتساءل: هل أقاله حزب النور السلفي لأنه كذب أم لأنه أجرى عملية تجميل؟
وماذا سيتعلم النواب العرب في كل مكان من هذه الحادثة؟ ... أن الكذب ... أقصد أن عمليات التجميل قد تفقدهم كرسي النيابة في البرلمان ...

الجالسون والواقفون


كثر الحديث في هذه الفترة المواكبة للحملة الانتخابية عن دور الشباب في مجلس النواب القادم, وفي المجالس المحلية, وعن موقعه في رأس القائمة أم ذيلها ... والكل صار يتحدث بالأمر كأنه واقع حتمي, سيطفئ الشيب الذي اشتعل في المناصب العليا لدينا.
فهل سيتغير الحال فعلا, ويتجدد الشباب في مفاصل اتخاذ القرار في البلاد؟
لا أملك إلا أن أستحضر ما كتبه الصحفي جلال عامر رحمه الله في أحد أعمدته الساخرة: "ليس من حقك أن تتطلع إلى منصب مهم فى بلدك، فهو مثل مقاعد الأتوبيس مخصصة لكبار السن" ...
فهل سيجلس شبابنا هذه المرة, أم أنهم سيظلون واقفين؟ ...
هل هناك ضمانات تجعلنا نؤمن بما يقال في فترة الحملة الانتخابية, وننساق وراء الأحلام والورود ... والبسمات والوعود؟
حتى لو شهدنا تشبيبا للقوائم الانتخابية, فكيف سنقيم هذا التشبيب؟ هل سيكون مدروسا, أم أنه سيتبع سياسة "الكوطة" والنسب المئوية؟ ...
بالصدفة يحضرني مرة أخرى كلام جلال عامر: لا تصدق ما يقال في فترة الحملة الانتخابية وفي فترة الخطوبة ...

أسيرة تُبالي ...


لا تفكر هناء شلبي, الأسيرة الفلسطينية, في الانتحار لتخلص نفسها من معاناة الأسر والاحتلال ... إضرابها عن الطعام الذي اقترب من يومه العشرين, له دلالة أكبر من مجرد الموت جوعا ... أكبر من مجرد الحياة خضوعا خارج أسوار السجن الإداري ...
هناء يعضها الجوع الآن ويقرصها البرد لأنها ... ببساطة ... تبالي ...
تبالي بعقود الاحتلال الست وسط صمت عالم يدعي أنه خلف تاريخ الاستعمار وراءه, لكنه دس قضية فلسطين في جيبه تميمة يصد بها لعنة صهيون ...
تبالي بالأيدي الصغيرة التي لا تزال ترمي الحجر دون أن ترتعش, رغم الجوع والبرد والحصار ...
تبالي بكل اللاجئين الذين يتوسدون مفاتيح بيوتهم القديمة ... في ليل الغربة والشتات ... يداعب أجفانهم حلم العودة الطويل ...
تبالي بعجز العربي البسيط الذي كبلته أنظمة ... لا تبالي ... أنظمة عمرت طويلا فصدق فيها قول شكسبير: "القلوب التي لا تبالي تعيش طويلا" ...
لكن هناء وكل أسير شامخ يثبت أن القلوب التي لا تبالي تعيش طويلا ... عيشة الموتى ... لذا فإن هناء ... مع أنها تبالي ... لن تموت ... وستعيش طويلا ... رغم أنوفهم ...

العجز وسط النور


وسائل الإعلام الحديثة تبذل من أجلنا الغالي والرخيص لإثبات حقنا في الإعلام, ولتصل بنا إلى قمة هرم المعرفة ... لكنها في ذات الوقت ترتفع بنا إلى قمة العجز الإنساني ...
فماذا تراني أفعل إذا طالعتني كل يوم بصور لمجازر جديدة ترتكب في سوريا, وماذا يفيدني أن أعرف أن الصحافيين الفرنسيين قد نجيا من الموت وتم تهريبهما إلى بلدهما, ما دمت أعرف أن ذلك لن يوقف المذبحة ... وأن أمام السوري اليوم طرق عدة يموت بها ... وسط عجز عربي معتاد ...
وماذا تراني أفعل إذا علمت أن الأسيرة الفلسطينية هناء شلبي تجاوزت يومها السابع عشر في إضرابها عن الطعام, وأنها إذا لم تمت جوعا ستموت بردا ... فالبرد في فلسطين يقتل حين تتوقف الآلة العسكرية عن ذلك ... فيما تتدفأ إسرائيل بغاز مصري يفتقده المصريون أنفسهم ...
وسائل الإعلام مشكورة, فهي في ركضها وراء حقي في المعرفة ... أثبتت عجزي المخزي أمام هذه المعرفة ... وبدل أن تزيدني نورا زادتني ظلاما ...  

السبت، 3 مارس 2012

حين تجوع الحرة ...


حين تجوع الحرة ...
أن تفقأ أم مصرية عيني ابنتها ذات الخمس سنوات لتستخدمها في تسول بضعة قروش ... أن تلغي أمومتها كي تسد جوع يوم أو بعض يوم ...
هذا يعني أن شيئا ما تغير في الإنسان ... وأن مقولة "تجوع الحرة ولا تأكل من ثديها" أصبحت محل شك.
فالجوع الكافر عاد إلى أفعاله الجاهلية, حين كان الآباء يقتلون أبناءهم من إملاق.
هذه المرأة خرجت في أول أمرها للتسول من أجل طفلتها الصغيرة ... لكن شيئا ما تغير في طريق العودة ... حين اختلت الأولويات واختلطت السبل, فقررت في لحظة هذيان الجوع أن تحرم البراءة من نور عينيها كي تعيل الصغيرة نفسها وتسد جوعها ... وانتصر الجوع في واحدة من جولاته ... وليهنأ الأغنياء أن العالم نقص أما وازداد وحشا ... 

اسكتوا ...


في هذه الأيام نتكلم في كل شيء ... ونفتي في كل شيء, رغم أننا لا نعرف أي شيء ... ويعلو الصخب والجدال في العموميات من السياسة والاجتماع والاقتصاد والدين ... دون أن نعرف مناط الخلاف أصلا ....
كلنا مع فلسطين ظالمة أو مظلومة ... لكن عمر الظلم يخط سنه الرابع والستين, ومازلنا هنا في أماكننا ... ولا تزال فلسطين وحدها, لا أحد معها ...
وإذا كنا كلنا نتفق أن الإسلام هو الحل ... إلا أنها مقولة تشبه الفاكهة النادرة التي تشتهيها, لكنك لا تعرف كيف تصل إليها, ولا كيف تزرعها ... لأننا نشك في كل البرامج المطروحة والنوايا ... وحتى أنفسنا ... في زمن لم يرحم فيه اللعب بالجينات موزا ولا بطاطا ...
نتفق أيضا, أن الأنظمة العربية فاسدة, ولا بد من تغييرها ... لكننا نشكك في كل الثورات القائمة ... ومن وراءها ... حتى القذافي الذي كانوا يكفرونه بالأمس وكتابه الأخضر, صار شهيدا ... وصار ثوار ليبيا قتلته ...
فعلا ... لو سكت من لا يعلم لقل الخلاف ... فأرجوكم ... بالله عليكم ... اسكتوا ...

ثمار الدعوة


تجربة الدعوة الإسلامية في مصر والأردن مثلا تسيل لعاب كل الدعاة في أقطار أخرى, ليس لما حققته على الصعيد السياسي, بل لما حققته على الصعيد الاجتماعي من إنجازات تصب في بناء الفرد المسلم على الخصوص, وبناء المجتمع الإسلامي على العموم.
فرغم الحظر الذي تعرضت له تنظيمات الحركة في مصر على مر سبعة عقود, إلا أنها بقيت فاعلة في المجتمع المصري, من خلال جهودها في تأسيس قواعد للتعليم الإسلامي ظلت رديفة للتعليم الرسمي.
ورغم أن الحركة في الأردن لم تحقق مراميها السياسية كاملة, وإن حققت تقدما كبيرا في صفوف السلطة, إلا أننا لا يمكن أن ننكر مدى ما حققته مؤسساتها الاجتماعية في حياة المواطن الأردني, منذ ولادته حتى تأهيله للعمل (تجربة مؤسسات اليرموك أكبر دليل).
إن الوعي الذي يتمتع به الفرد الأردني والمصري بأهمية رسالة الإسلام ودوره في النهوض بها, يدين به لتلك الجهود الجبارة التي اضطلعت بها مؤسسات الحركة الإسلامية على المستوى الاجتماعي والثقافي ...
وهذا ما يجعلنا نطمئن إلى مستقبل الحركة الإسلامية في البلدين الشقيقين ... ولا يهمنا بعدها إن حكمت أم لم تحكم ...

درس في الطبخ


كل واحد منا يعتبر نفسه عادلا ... وسطيا ... متمدنا ...
ويعتقد كل منا أن الحق معه ... وأن الباطل مع الآخرين ... أنه المظلوم والآخرون ظالمون ... أن طائفته هي الناجية والطوائف الأخرى مارقة عن الدين.
ومع ذلك لا تنطق أفواهنا بما يعبر عن ذلك ... ولا ندري أن ألسنتنا تتمادى بنا كي تكبنا على وجوهنا في النار ...
ويكفي أن تلقي نظرة على ما يكتب بالمجان من تعليقات في المواقع الاجتماعية كي تدرك حجم الكارثة الحضارية التي نعيشها ...
فالكلام الطائفي يفتح مجالاته وبدون مناسبة ... حتى وإن كان الموضوع مقطعا من الرسوم المتحركة أو من برنامج للطبخ ... وستفاجأ بكم السباب واللعن الذي ينفجر بين من يدعون أنهم شيعة أو سنة ... فتتحول التعليقات إلى مناظرة أشبه بنقائض جرير والفرزدق ... ولكن بصورتها المقذعة النابية! بصورتها التي تخرج الإنسان عن وصف الإنسان ...
بالله عليكم, ما علاقة وصفة الطبخ التي كنت أريد مشاهدة تفاصيل تحضيرها بصلاة الشيعة ووضوئهم؟ ... وما دخل عدالة الصحابة بالملح والتوابل؟
لعمري إن كل ذلك ليبدو محاكا في الظلمة ليفقد كل طرف دينه ومروءته ... وكمّ البغضاء والشحناء المفتعلة يكاد يحرقنا جميعا ويشغلنا عن قضايانا ... وبينما تستوي الطبخة وتتنفس القدر الصعداء ... نكون قد غرقنا في تعليقات سخيفة ... تنسينا أندلسا فقدنا وقدسا ضيعنا ... وأيادينا التي كان يجب أن تعد لهم ما استطاعت من قوة ... تمتد إلى نحور بعضنا ... في مجزرة تسبق العذل ...
شهية طيبة ...

ألمانيا لا تحتاج إلى ربيع


لم يكن الألمان بحاجة إلى أن يزهر الربيع عندهم كي يستقيل رئيسهم كريستيان فولف ... لم يكونوا بحاجة إلى أي اعتصام, ولا إلى حرف واحد يكتبونه على لافتة يطالبون بتنحيه ... ألمانيا ليست بحاجة إلى ربيع مبكر, فشتاءاتها السياسية دافئة معتدلة.
وهو بدوره, حين شعر أن ثقة مواطنيه "اهتزت" بسبب اشتباه المدعي العام بعلاقته مع بعض الأثرياء للحصول على امتيازات خاصة لبناء منزل ... أقول لمجرد شعوره باهتزاز الثقة آثر أن ينسحب بشرف ويقدم استقالته.
لم يجد في نفسه القداسة التي تخول له أبدية الكرسي ... أو تمنحه الحق بسحق "الجرذان", وإزهاق أرواح الناس العزل وقصف بيوتهم ... ولم يطالب بانتخابات يتفحص بها مستوى شعبيته, ليربح بعض الوقت ويحفظ ماء الوجه ... بل حمل حقيبته ورحل في هدوء حضاري يقل نظيره في العالم ... وينعدم عندنا ...
كان في التاريخ الألماني وصمة عار واحدة اسمها هتلر, يتفق جميع الألمان كبيرهم وصغيرهم أنها لن تتكرر ... لأنهم يعتدون بكل يوم يصنعونه لوطنهم منذ سقوط جدار برلين ... ترى كم من العار يجب أن نحمله نحن حتى نتعلم؟ وكم يلزمنا من الدم النازف حتى تشفى جراحات الحقيقة؟
كم من الزعماء الذين لم تهتز ثقة الشعب بهم, بل انهارت تحت أقدامهم محدثة جلبة عالية, لكنهم يغمضون أعينهم في استغفال, مصدقين أنه إذا لم يروا أحدا, فلن يراهم أحد ...