الاثنين، 6 فبراير 2012

فرعون ...ونابليون



يقال أنه عندما مات نابليون منفيا في جزيرة سانت هيلينا سنة 1821, لم يصل خبره إلى أهل باريس إلا بعد ثلاث سنوات, وذلك ببساطة لأن الصحافة الإخبارية كانت في بداياتها, ولم تكن تملك الوسائل المتاحة للإطلاع على الوقائع ونشرها بالسرعة المطلوبة, وربما تضاف إليها حالة التعتيم التي أحيط بها الخبر من جهات سياسية آنذاك.
لكن القفزة المهولة التي حدثت في ميدان الإعلام والاتصال منذ قرن من الزمان, وخاصة في أيامنا تجعل من الصعب على أي كان أن يخفي واقعة أو حدثا. فمجرد هاتف عادي مزود بكاميرا يمكن أن ينقل المشهد الذي يحتل صدارة النشرة في القنوات الفضائية, ويلف الكرة الأرضية عبر الشبكة العنكبوتية في سرعة البرق.
وصرنا جميعا نعرف أشياء كثيرة ... ونرى مشاهد لا حصر لها, قد تعجز خلايانا العصبية عن فرزها, وباتت طقوس المباشر والبث الحي أهم عنصر في لذة المفاجأة والفضول التي تعترينا في غرفنا, في صفوف الدراسة ومكان العمل, حين يعض علينا البلوتوث ملحا بنواجذه ... بعد أن صار الكثيرون يحترفون الكاميرا المحمولة بحثا عن "اللقطة" ...
مع هذا الكم الهائل المتدفق من المعلومات, نحب أن نضع أنفسنا أمام سؤال جوهري ... لازال يطرح منذ البدء: هل يقربنا هذا الكم الهائل من المعلومات إلى الحقيقة؟
هل استطاعت هذه التكنولوجيا أن تكشف لنا هوية مدبري اغتيال كندي؟ هل استطعنا أن نعرف كيف سقطت بغداد سنة 2003؟ هل يمكن أن نعرف من يقف وراء المجازر في سوريا؟
لماذا يقودنا الكم الهائل من الوقائع والإمكانيات إلى دهاليز من الأسئلة المربكة, ما كنا لنطرحها في زمن نابليون؟ ألأننا كلما ازددنا علما ازددنا جهلا؟
الحقيقة التي لا أضمنها لكم أيضا أن لكل عصر أدواته التي تسحر عيوننا وتجعلنا نغفل عن الحقيقة السافرة, تماما مثل الحبال التي كان يستعملها سحرة فرعون فإذا ألقوها سحروا أعين الناس واسترهبوهم.
المشكلة في عصرنا أن المنظومة الإعلامية أعقد مما كانت عليه أيام فرعون, ولا نملك عصا موسى كي نفرق بين الحق والباطل ... كل ما يمكننا فعله هو أن نتحكم في ذلك الانبهار الذي يعترينا أمام الكم الهائل من المشاهد الساحرة, ونركز على الحقيقة حين تلوح لنا بيدها دون أن نخوض في لغو لا طائل منه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق