السبت، 28 أبريل 2012

اغضبوا


الغضب والكراهية وجهان لانفعال واحد, فلا تغضب إلا إذا لقيت ما تكره, ولا تكره إلا ما يثير غضبك ... وبقدر ما هي أحاسيس إنسانية, بقدر ما تخرج المرء عن إنسانيته إذا تملكته ... وليس أدل على ذلك من حروب العرب في جاهليتهم الأولى, فلم يثر  حرب داحس والغبراء ولا حرب البسوس إلا مشاعر غضب وكراهية أذكتها قرابة أربعين سنة ... حتى كادت تفني سادتهم وعبيدهم ...
وأغرب شيء في هذه الانفعالات أنك إذا لم توجهها إلى مكانها الصحيح انقلبت عليك لتدمرك وتفت عضدك ... وليس أدل على ذلك من غضبة العربي في أيامنا هذه ... فلا يستثيره إلا أخوه وجاره وصديقه ... ولا يمر يوم إلا وتطالعنا الصحف فيه عن أبشع الجرائم التي ترتكب لأتفه الأسباب ... كلها لأن مرتكبيها غضبوا لشرف أو لكرامة ...
لكن الشرف والكرامة يدنسان في كل حين,  وفي قضايا أكبر وأعظم ... والعربي الذي كان يدندن:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يراق على جوانبه الدم
لم يعد يغضب لشرفه المدنس في فلسطين, وكرامته التي هانت في العراق, ولحمه المقطع في سوريا, وكبده الجائعة في الصومال ...
لعمري لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أوصى صحابيا في زمانه: "لا تغضب", لو أنه بعث في أيامنا هذه لصاح فينا: "اغضبوا" ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق