الأربعاء، 28 مارس 2012

جدتي


أجمل شيء في جدتي هو ورعها وحياؤها ... شيئان لا تجدهما فيمن هو أصغر منها سنا, ولا أكثر ثقافة ... حياؤها يشبه حياء ذوات الخدور ... يملؤها نورا ورقة وجمالا رغم التجاعيد التي تملأ وجهها ...
 جدتي لم تتعلم ولا تحسن القراءة ... ومع ذلك فإنها تحسن ما يستعصي على الكثيرين: ضبط علاقتها بالله وعباده ...
لم أسمعها يوما تدعو على أحد, ولم أشهدها تشكو من أحد ... فكل الناس عندها معذورون لا تهمة تكدر صفحتهم عندها ...
جاوزت التسعين ... وبسبب الروماتيزم لا تستطيع المشي إلا زحفا على ركبتيها ... ومع ذلك حين رزقها الله عمرة في رمضان الماضي, لم تتنازل عنها, بل أصرت على الذهاب رغم مشقة السفر, ورغم أنها لا تستطيع أن تقوم على حاجاتها بنفسها ... وحين لمحها شاب في المطار على حالها تلك ... أشفق عليها وسألها: من لك هناك؟ فأجابته بكلام يعجز ذوي الألباب: ليَ الله ربي ...
صوتها على الهاتف من الحرم كان أقوى من صوتها المتهالك في سائر أيامها ... أدت شعائرها بيسر لم يقيظه الله لمن هم أصغر منها سنا وأقوى بنية ... وعادت بأحسن مما كانت عليه, وكلها شوق ان تعود إلى هناك مرة اخرى ...
إذا اردت درسا في التنمية البشرية فهي جدتي ... ومن دون كلمة زائدة ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق